هل يجوز انتخاب مرشّح له توجُّه علمانيّ؟
السؤال: السلام عليكم، نحن على مشارف الانتخابات النيابية في لبنان، ومعلومكم أنّ ثمة مرشَّحين من ذوي التوجّه العلماني، لكنّهم في الوقت نفسه ممّن ينتفع منه بعض الناس، وله أيادٍ بيضاء على بعض المحتاجين. فهل يجوز التصويت لمصلحة مثل هذا المرشَّح، أم أنّه لا بدّ من اختيار صاحب الدِّين، والمنهج السويّ لمصلحة الناس بشكل عامّ؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإن انتخابك لأيّ مرشح ودعمك له، هو اعتراف صريح، واختيار منك لمن تولِّيه الاشتغال بالشأن العام والانخراط في إدارة شؤون البلد على المستويَيْن السياسي، والتشريعي للقوانين -في المجالات كافة- وغير ذلك، مما هو من مهام النواب في مجلسهم، فبما أنه اعتراف بمنهج هذا المرشح وفكره وسلوكه وأهدافه، فأنت مُلزَم من الناحية الشرعية أن تختار صاحب المنهج والفكر السليم والسلوك السويِّ والهدف الذي يوافق الشرع؛ فالعلمانيُّ صاحب منهج مخالف للإسلام، والأشدّ خطرًا من ذلك أن لديه مشروع العلمنة في المجالات كلها، حتى في المجال التشريعي؛ سواء الاقتصادي منها، أو الاجتماعي، أو الأخلاقي، أو حتى في قوانين الأحوال الشخصية، والتي منها مشروع أحوال شخصية مخالف للشرع، والمعروف بالزواج اللاديني وغيره.
فالمطلوب أن ننظر إلى حال المرشَّح ومشروعه (هل هو يدعو إلى خير، أم إلى شر؟)، وهل هو ممن يؤتمن على البلد أم لا يؤتمن؟ فالتصويت له هو إعانة له ليحقِّق مشروعَه، فإن كان مشروع خير ويعتقد أنّ المشرّع هو الله عزّ وجلّ وحده وأنّه لا يجوز أن يعتقد لأحد صلاحية التشريع إلا انطلاقًا من نصوص الشريعة وقواعد الاجتهاد، فإعانة على الخير فلا مانع منه، بل لك الأجر والثواب في ذلك.
وأما إن كان مشروع شرٍّ كالعلمانية، أو مصلحية قائمة على الفساد ودعم المجرمين والفاسدين وتشريع قوانين مخالفة لشرع الله، فإعانة على الشرِّ والإثم، فلا شكَّ في حرمته، ويُعَدُّ كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة المائدة الآية:2]. وقال الله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) ]سورة هود الآية: 113[.
وأخرج الحاكم في مُستدرَكه، وقال: صحيح الإسناد، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ“. وروى أبو داود في سننه بسند حسن عن الصحابي العُرس بن عَمِيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا عُمِلَتْ الخطيئةُ في الأرض، فمَن شهدها فكرهها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كان كمن شهدها“. وروى مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إنه يُستعمل عليكم أمراءُ فتَعرِفون وتُنكِرون، فمَن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سَلِم، ولكنْ مَن رضي وتابَع”.
فانتخاب أيِّ مرشَّحٍ مسؤوليةٌ كبيرة وخطيرة، ستُسأل عنها يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [سورة الصافات الآية:24]. فمَن اخترتَه ليمثِّلَك فهو في صحيفتك يوم القيامة؛ فإنْ عمل خيرًا فخير لك، وإنْ عمل شرًّا فلا تلومنَّ إلا نفسَك.
وعليه: فلا شك في حرمة انتخاب العلمانيِّ ليمثِّلنا في المجلس النيابي، والواجب عند ضرورة انتخاب الملتزم بدينه ليدفع الظلم والضرر عن الناس والمسلمين خاصة ويعارض القوانين التي تتعارض مع شرع الله: أن تتحرّى من هو أهل لذلك.
والله تعالى أعلم.