ما حكم الصوم عن الميت، وكذلك عن الحيِّ العاجز عن الصوم بسبب المرض الدائم؟ وما حكم الصلاة عن الحيِّ أو الميت؟ وهل التكلُّم مع الميت جائز؟
فتوى رقم 4442 السؤال: ما حكم الصوم عن الميت، وكذلك عن الحيِّ العاجز عن الصوم بسبب المرض الدائم؟ وما حكم الصلاة عن الحيِّ أو الميت؟ وهل التكلُّم مع الميت جائز؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بالنسبة للسؤال الأول: وهو الصوم عن الميت المسلم: فإن هذه المسألة فيها تفصيل تبعاً لحالة الميت قبل وفاته. فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “مَن مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه“، وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “جاء رجل إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله إنَّ أمِّي ماتت وعليها صومُ شهرٍ أفأصومُ عنها؟ قال: أرأيتَ لو كان على أمِّك دَيْنٌ أكنتَ قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدَيْنُ اللهِ أحقُّ أن يُقضى” وفي رواية قال: “جاءت امرأة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله إن أمِّي ماتت وعليها صوم، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيتِ لو كان على أمّك دَيْنٌ فقضيته كان يؤدِّي ذلك عنها؟ قالت:نعم، قال: فصومي عن أمِّك”. [متفق عليه].
ونصَّ الأمامُ النوويُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله تعالى ــ في كتابه: “المجموع شرح المهذَّب”(6/368و 369)، قال: “قال أصحابنا: مَن مات وعليه قضاء رمضانَ أو بعضِه فله حالان: أحدهما: (الحال الأول) أن يكون معذوراً في تفويت الأداء ودام عذره إلى الموت كمن اتصل مرضه، أو سفره، أو إغماؤه، أو حيضُها، أو نفاسُها، أو حملُها أو إرضاعُها ونحو ذلك ـــ اتصل ذلك ـــ بالموت لم يجب شيء على ورثته ولا في تركته، لا صيام ولا إطعام، وهذا لا خلاف فيه عندنا (أي الشافعية)، ودليلُه ما ذكره المصنِّف (أيْ الشِّيرازي) من القياس على الحج. (الحال الثاني): أن يتمكَّن من قضائه؛ سواء فاته بعذر، أم بغيره، ولا يقضيه حتى يموت ففيه قولان مشهوران: أشهرهما وأصحُّهما عند المصنِّف والجمهور، وهو المنصوص في الجديد (مذهب الشافعيِّ في مصر) أنَّه يجب في تركته لكلِّ يوم مُدٌّ من طعام ولا يَصِحُّ صيام وليِّه عنه… والثاني: وهو القديم (مذهب الشافعيِّ في العراق)، وهو الصحيح عند جماعة من محقِّقي أصحابنا، وهو المختار، أنه يجوز لوليِّه أن يصوم عنه، ويَصِحُّ ذلك ويُجزئه عن الإطعام وتبرأ به ذمَّة الميت، ولكن لا يَلزم الوليَّ الصومُ، بل هو إلى خِيَرَتِه… إلى أن قال: “قلت: الصواب الجزمُ بجواز صوم الوليِّ عن الميت؛ سواء صوم رمضان والنذر، وغيره من الصوم الواجب، للأحاديث الصحيحة السابقة، ولا معارضَ لها، ويتعيَّن أن يكون هذا مذهب الشافعي؛ لأنه قال: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، واتركوا قولي المخالف له. وقد صَحَّتْ في المسألة أحاديثُ كما سبق. انتهى.
وملخَّص المسألة:
إما أن يكون الميِّت معذوراً في تركه تأدية وقضاء الصوم، ودام عذره إلى الوفاة. فهذا لا يجب شيء على ورثته ولا في تركته، لا صيام ولا إطعام.
وإما أن يتمكَّن من قضـــائه ولكنْ فاته القضــاء بعذر أو بغيره ولم يقضه حتى مات. فهذا يجوز لوليِّه ــ ولا يلزمه ــ أن يصومَ عنه، ويَصِحُّ ذلك منه ويُجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمَّة الميت، ويمكنه الإطعام عن كلِّ يوم مد 600 غرامًا من غالب قوت أهل البلد؛ كالفول، والعدس، والأَرُز…
وأما في حالة الحياة بأنْ تعذَّر على المسلم الصومُ بسبب المرض الدائم، فلا يُصام عنه أبداً، والمطلوب هو الفدية وهي مُدٌّ أي: 600 غرامًا من غالب قوت أهل البلد؛ كالأَرُز، والفول، والعدس… يعطَى لفقير أو مسكين مسلم.
وأمَّا بالنسبة للسؤال الثاني: وهو حكم الصلاة عن الحيِّ أو عن الميت الذي لم يكن يصلِّي. بدايةً، بالنسبة لتارك الصلاة، فقد نصَّ أكثر أهل العلم على أن تارك الصلاة إما أن يتركها كسلاً وتهاوناً، فهو مسلم ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب. وإما أن يتركها جاحداً بها ومنكرًا لفرضيَّتها، فلا شكَّ في كفره بإجماع أهل العلم. وأما قضاء الصلاة عنه حالة الحياة أو بعد موته في حالة تركه لها كسلاً: فقد نصَّ فقهاء المذاهب الأربعة على أنَّ المسلم الحيَّ أو الميت إنْ ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة بعذر أو بغير عذر فلا يصلِّي عنه أحد، إلا ما ذكره الحنفيَّةُ بالنسبة للميت من أنَّه إنْ أوصى بتلك الصَّلوات فإنَّه يصلَّى عنه. “حاشية ابن عابدين” (1/492)، “والموسوعة الفقهية” (2/334).
وأما بالنسبة للتكلُّم مع الميت أثناء الوقوف على القبر. فقد ثبتَ في الحديث الذي رواه البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّم يومَ بدرٍ قتلى المشركين: “قال عمر: يا رسول الله ما تكلِّم من أجساد لا أرواحَ لها؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم”. [متفق عليه]. ومنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُعلِّم الصَّحابة رضي الله عنهم “إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام على أهل الديار “وفي رواية: “السَّلام عليكم أهلَ الدِّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاء الله للَّاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية“. رواه مسلم في صحيحه. والله تعالى أعلم.