ما حكم الذي لم يكن مصلِّياً لمدة سنوات وهو لا يذكر حتى عدد السنين التي فاتته؟ هل عليه قضاء السنين كلِّها من جديد، أم أنَّ التوبة كافية مع الانتظام بالصلاة والفرائض؟

فتوى رقم 4406 السؤال: ما حكم الذي لم يكن مصلِّياً لمدة سنوات وهو لا يذكر حتى عدد السنين التي فاتته؟ هل عليه قضاء السنين كلِّها من جديد، أم أنَّ التوبة كافية مع الانتظام بالصلاة والفرائض؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة لحكم تارك الصلاة، فهي مسألة فيها تفصيل عند أهل العلم؛ فمن تركها جحودًا لفرضيّتها فهذا كافر مرتدٌّ بإجماع الأُمَّة، ولا خلاف في ذلك، وأمّا مَن تركها كسلًا معتقدًا لفرضيَّتها، فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وأنّه يُخشى عليه أن يموت على غير الإسلام، وذهب الإمام أحمدُ وإسحاقُ بن راهويه إلى كفر تاركها مطلقًا؛ حملًا على ظاهر النصوص القرآنية والأحاديث النبويَّة.

وأما بالنسبة لقضاء الصلوات الفائته: فمذهب جمهور العلماء ــ من الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، وأكثر الحنابلة ــ على وجوب قضاء الصلاة سواء تُركت عمدًا أو سهوًا؛ فإن كانت الصلوات فائتة بتهاون وتكاسل فيجب -مع التوبة إلى الله تعالى- أن تُقضَى كلُّها، بأسرع وقت، ولا يَحِلُّ له -عند الشافعيَّة والحنابلة- صلاة النوافل حتى ينهيَ قضاء تلك الفوائت يقينًا، أو بغلبة الظن.

وإن كانت الفوائت بسبب عذر؛ كنوم، أو مرض، أو غيرها من الأعذار، فتُقضَى تلك الفوائت على التراخي، والأفضل أن يسارعَ إلى قضائها، ولا حرجَ -والحالُ هذه- أن تصلَّى النوافل، فقد قال الفقيه ابن حجر الهيتميُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في “الفتاوى الكبرى” (1/189): “ومَن عليه فوائت، فإن كانت فائتة بعذر جاز له قضاء النوافل معها؛ سواء الراتبة وغيرها… وإن كانت فاتت بغير عذر لم يَجُزِ له فعل شيء من النوافل قبل قضائها؛ لأنه واجب عليه فورًا، وبصَرْفِ الزمن للنوافل تَفُوتُ الفوريَّة، فلزمه المبادرة لقضائها، وهي لا توجد إلا إنْ صَرَفَ لها جميعَ زمنه، فيجب على مَن عليه فوائتُ بغير عذر أن يصرف جميع زمنه إلى قضائها ولا يستثني من ذلك إلا الزمن الذي يحتاج إلى صرفه فيما لا بد منه من نحو نومه، وتحصيل مؤنته ومؤنة مَن تلزمه مؤنته، وهذا ظاهر وإن لم يذكروه؛ لأنه إذا لزمه القضاء فورًا كان مُخاطَبًا به خطابًا إيجابيًّا إلزاميًّا في كلِّ لحظة، فما اضطُّر لصرفه في غير ذلك يُعذر في التأخير بقَدْره، وما لم يُضطَّر لصرفه في شيء يجب عليه صرفُه في ذلك الواجب عليه الفوري، وإلَّا كان عاصيًا آثمًا بالتأخير، كما أنه عاصٍ آثمٌ بالترك”. اهـ.

وقال ابن قدامةَ الحنبليُّ في كتابه “المغني”: “ويقتصر على قضاء الفرائض، ولا يصلِّي بينها نوافل، ولا سننها” لأن النبيَّ ﷺ فاتته أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالًا فأقام فصلَّى الظهر ثم أمره فأقام فصلَّى العصر، ثم أمره فأقام فصلَّى المغرب، ثم أمره فأقام فصلَّى العشاء، ولم يُذكر أنه صلَّى بينهما سُنَّة؛ ولأن المفروضة أهمّ، فالاشتغال بها أَوْلى، إلا أن تكون الصلوات يسيرة، فلا بأس بقضاء سننها الرواتب”. انتهى.

وعليه: فإن الواجب على السائل ـــ ومَن كان في مثل حاله ـــ ممّن فاتته صلواتٌ مفروضة بغير عذر (بتهاوُن، أو كسل) في أدائها المسارعةُ إلى التوبة النَّصوح، مع العزم على المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها، والمباشرةُ بقضاء ما فاته في كلّ وقتٍ يُتاح له فيه القضاء؛ فيقضي ما أمكنه من فروضٍ فقط، حتى يتحصَّل له قضاءُ جميع ما فاته، أو يغلب على ظنّه فعلُه ذلك. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *