شخص مُصاب بمرض السرطان، وقد بلغ منه مبلغاً كبيراً، عُرض عليه دواء من إحدى البلاد، لكنه يحتوي على مادة مخدِّرة مأخوذة من الحشيش، فهل يجوز له أن يتناوله؟
فتوى 4350 السؤال: شخص مُصاب بمرض السرطان، وقد بلغ منه مبلغاً كبيراً، عُرض عليه دواء من إحدى البلاد، لكنه يحتوي على مادة مخدِّرة مأخوذة من الحشيش، فهل يجوز له أن يتناوله؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بالنسبة لتناول دواء يحتوي على مادة مُستخرَجة من الحشيشة بسبب الإصابة بمرض السرطان،
بدايةً فإنَّه يُنظر في هذا الدواء، فإن كان ما فيه من الحشيشة أو الـمُسكِر ونحوه مُستَهلَكًا في الدواء لقِلَّته فلا مانعَ من تناوله، وهذا ما نصَّ عليه الفقهاء في كتبهم، يقول الفقيه محمد الخطيب الشربينيّ الشافعيُّ ـــ رحمه الله ـــ في كتابه “مغني المحتاج” (4/188): “محلُّ الخلاف في التداوي بها (يعني بالخمر) بصِرْفِها -أي الخالص–، أما الترياق المعجون بها ونحوه مما تُستهلَك فيه، فيجوز التداوي به عند فَقْدِ ما يقوم مقامَه، مما يحصل به التداوي من الطاهرات؛ كالتداوي بنجس، كلحم حيّة، وبول، ولو كان التداوي بذلك لتعجيل شفاء، بشرط إخبار طبيبٍ مسلم عدل بذلك، أو معرفته للتداوي به”. انتهى.
وقد صدر في جواز استعمال الأدوية المشتملة على نسبة قليلة من الكحول الـمُسكرِ قراراتٌ من مجامع الفقه الإسلامي، وفتاوى من لجان وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي، مع استحباب وتفضيل تجنُّب إدخال الكحول في شيء من الأدوية؛ حرصًا على اجتناب الشبهات. جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة، قرار رقم: 94 (6/16) بشأن الأدوية المشتملة على الكحول والمخدِّرات ما يأتي: “الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه، أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه من: 5-10/1/2002م، وبعد النظر في الأبحاث المقدَّمة عن الأدوية المشتملة على الكحول والمخدِّرات، والمداولات التي جرت حولها، وبناء على ما اشتملت عليه الشريعة من رفع الحرج، ودفع المشقَّة، ودفع الضرر بقَدْرِه، وأن الضروراتِ تُبيح المحظورات، وارتكاب أخفِّ الضررَيْن لدَرْءِ أعلاهما، قرَّر ما يلي:
ـــ لا يجوز استعمال الخمرة الصِّرفة دواءً بحال من الأحوال؛ لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ لم يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّم عَلَيْكُمْ» رواه البخاريُّ في صحيحه. ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ أنزَل الدَّاءَ، وجعَل لِكُلِّ داءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، ولا تَتَدَاوَوْا بحَرَامٍ». رواه أبو داودَ في السنن، وابن السُّنِّيِّ، وأبو نُعيم. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم لطارق بن سُويد -لما سأله عن الخمر يُجعَلُ في الدواء-: “إنَّ ذلك لَيْسَ بِشِفَاءٍ، ولَكِنَّه دَاءٌ” رواه ابن ماجه في سننه، وأبو نُعيم.
ـــ يجوز استعمال الأدوية المشتملة على الكحول بنِسَبٍ مُستهلَكةٍ تقتضيها الصناعة الدوائية التي لا بديل عنها، بشرط أن يَصِفَها طبيب عدل، كما يجوز استعمال الكحول مطهِّراً خارجيًّا للجروح، وقاتلاً للجراثيم، وفي الكريمات والدهون الخارجية.
ـــ يوصي المجمع الفقهيُّ الإسلاميُّ شركاتِ تصنيع الأدوية والصيادلةَ في الدول الإسلامية، ومستوردي الأدوية، بأن يعملوا جهدهم في استبعاد الكحول من الأدوية، واستخدام غيرها من البدائل.
ـــ كما يوصي المجمع الفقهيُّ الإسلاميُّ الأطباء بالابتعاد عن وصف الأدوية المشتملة على الكحول ما أمكن. والله وليُّ التوفيق. وصلَّى الله على نبيِّنا محمّد”. انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم: (24) (11/3) ما يأتي: “للمريض المسلم تناولُ الأدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسَّر دواء خالٍ منها، ووَصَفَ ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته”. انتهى.
وأما إن لم تكن مادة الحشيش ونحوها مُستَهلَكَةً في الدواء بأنْ كانت ظاهرة ـــ واضحة ـــ فيُشترط لجواز تناوله ما يلي:
.ـــ أن يكون ذلك باستشارة طبيب مسلم عدل ماهر في اختصاصه
.ـــ أن يوجد ضرورة لتناوله، والضرورة هي أن يُخشى الموت، أو إتلاف عضو، أو ذهاب منفعته
.ـــ أن لا يترتب على تناوله ضرر أكبر من الضرر الحاصل
.ـــ أن لا يكون ثمة دواء آخر يصلح للعلاج. ملخَّصاً من الموسوعة الفقهية (11/118و119و120)
وعليه: إن كانت المادة الـمُسكِرة أو الحشيشة ونحوها، مُستهلَكَةً غير ظاهرة، فلا مانعَ بشرطين: أن لا يوجد بديل عنها، وأن يَصِفَها طبيب مسلم عدل. وأما إذا لم تكن مُستهلَكَةً، فيُشترط لجواز تناوله الشروطُ الأربعة التي ذكرناها. والله تعالى .أعلم