ما حكم شراء الدولار عبر منصَّة صيرفة، ومن ثمَّ بيعه في السوق السوداء وتحقيق ربح، فهل يجوز ذلك؟
فتوى رقم 4304 السؤال: ما حكم شراء الدولار عبر منصَّة صيرفة، ومن ثمَّ بيعه في السوق السوداء وتحقيق ربح، فهل يجوز ذلك؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بداية، بالنسبة لمسألة تحويل الليرة اللبنانية إلى دولار أمريكي عبر منصَّة صيرفة -فبحسب اطِّلاعنا على ما يجري في المصارف اليوم- فإن إيداع مبلغ بالليرة اللبنانية في البنك ثم صرفه على “منصَّة صيرفة” لا يُعَدُّ من الربا، وإنما هو عقد صَرْفٍ مشروع، بشرط أن يتمَّ تقابض البدلَيْن في المجلس، وإلا -بأنْ لم يتحقّق هذا الشرط- فهو ربا، ويسمّى ربا النسيئة -أي التأجيل- وهو محرَّم؛ لما رواه البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي المنهال رضي الله عنه، قال: سألت البراءَ بن عازبٍ وزيدَ بن أرقمَ رضي الله عنهما عن الصرف، فقالا: كنا تاجرَيْن على عهد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسألْنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصرف، فقال: “إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان نَسَاء – أي بتأخير القبض – فلا يَصْلُح.”
واعلم أن القبض إما أن يكون حقيقيًّا أو حكميًّا، فالأول: معروف وهو القبض باليد. والثاني: الحكميُّ، بأنْ يتمَّ وضعُ البدل أو البدلَيْن في الحساب المصرفيِّ عند التعاقد، أو إثباته عبر إصدار شيك موثّق حالٍّ غير مؤجَّل، وقد أجاز القبضَ الحكميَّ “مجْمَعُ الفقه الإسلامي الدولي” بقرارٍ رقمه (55/4/6)، يعني من حين إجراء عملية الصرف مع البنك فإنهم يقبضون منك عملة الليرة اللبنانية ويضعون مقابل ذلك عملة الدولار في حسابك في مجلس الاتفاق على الصرف نفسه، وبعد يوم أو أكثر -بحسب الإجراءات الإدارية- يمكنك أن تسحب الدولارات، فيصير مبلغُ ما تمَّ صرفه دولارًا مقبوضًا حُكماً في رصيدك، لكنْ بحسب الإجراءات في البنك، يكون القبض الحقيقيُّ بعد مدّة، بغيةَ إتمام الإجراءات الإدارية المتعارف عليها. وعليه: فلا حرج في إتمام هذه المعاملة، إذا كان التوصيف كما ذكرنا.
تنبيه: هذه الفتوى الصادرة هي منحصرة بالتوصيف الوارد في السؤال، وإلّا بأنْ كان الحال مغايرًا – في تفصيلاته – لما عليه نصُّ السؤال، فإنّ الحكم يكون تبعًا لتوصيف كلِّ معاملة بعينها؛ حيث تبيَّن لنا بالاستقراء والتتبُّع لحال تنفيذ مثل هذه المعاملة في بنوك لبنانية عديدة؛ أن الشروط والقيود للإيداع والسحب قد تختلف من مصرف لآخر. وعليه: فلا يصحُّ اعتماد هذه الفتوى على كافة صور تنفيذ هذه المعاملة لدى البنوك. والله تعالى أعلم.
وأما بالنسبة لبيع دولارات صيرفة بعد قبضها، بسعر السوق الفعلية لدى الصرَّافين أو لدى الناس، وتحقيق ربحٍ وهو فارق السعر بين صيرفة وبين السوق الفعلية المعروفة بالسوق السوداء، وهذا معروف في الفقه ببيع الصرف أو الاتجار بالعملات، فالأصل فيه الإباحة، بشرط أن يُلتزم بالشروط التي تمنع الوقوع في الربا؛ والتي منها فيما يتعلق بالسؤال: أن يكون العقد حالّا،ً وأن يتمَّ التقابض في مجلس العقد. وهذا باتفاق الفقهاء، ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عُبادةَ بنِ الصامت رضي الله عنه،قال:قال رسول الله ﷺ: “الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ”.
وعليه: فإنه يجوز بيع الدولار بالليرة بشرط أن يقع الاستلام والتسليم في مجلس العقد. والله تعالى أعلم.