ما حكم شراء العملات الأجنبية لنفترض الدولار الأسترالي بحسب قيمته على الدولار الأمريكي، ولكن اشتريته وانتظرت إلى أن ارتفع سعره، ثم بعته؟ وكلُّ هذا داخل التطبيق، وأنا لم ألمس المال.

فتوى رقم 4288 السؤال: السلام عليكم، ما حكم التداول بالعملات الحقيقية أي: مثل شراء العملات الأجنبية لنفترض الدولار الأسترالي بحسب قيمته على الدولار الأمريكي، ولكن اشتريته وانتظرت إلى أن ارتفع سعره، ثم بعته ؟ وكلُّ هذا داخل التطبيق، وأنا لم ألمس المال.

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

فقد أجمع الفقهاء على جواز الاتجار بالعملات بيعاً وشراءً وهو المسَّمى بالصرف، إلا أنه يُشترط حتى لا يقع المتصارف في الربا، التقابُض الفوريُّ في مجلس الصرف -العقد- لما رواه البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي المنهال رضي الله عنه، قال: سألت البراء بنَ عازب وزيد َبن أرقمَ رضي الله عنهما عن الصَّرف فقالا: كنّا تاجرَيْن على عهد النبيِّ ﷺ، فسألْنا رسولَ الله ﷺ عن الصَّرف، فقال: “إنْ كان يدًا بيد فلا بأس، وإنْ كان نَسَاءً -أي بتأخير القبض- فلا يَصلُح”. ويُشترط أن لا يكون عقد الصرف مؤجَّلاً، بل يجب أن يكون حالّاً ناجزاً. وأن لا يكون المقصود من المتاجرة الاحتكار للعملة بهدف الإضرار بالناس ورفع سعرها فيَحْرُم.

وعليه: فإنَّ شراءك لعملة – مثلاً الدولار الأسترالي – ثم بيعها بعد مدة بعملة أخرى، بأنْ كان ناجزاً، وتمَّ التقابض الحقيقي ــــ باليد ــ أو الحكمي ــ كـ شيك حالٍّ غير مؤجَّل، ويحتاج لوقت (أعمال إدارية) ليدخلَ في حسابك المصرفي ـــ في مجلس العقد (حال البيع وحال الشراء) فقد حلَّ لك الربح باتفاق الفقهاء، هذا كلُّه ــ أي: الجواز ــ إذا كان التطبيق الذي تتاجر من خلاله، لا يتخلَّله شرط، أو بند ربوي؛ بأن يتمَّ التعاقد معهم بما يسمَّى المتاجرة بالهامش، فهذا لا يَحِلّ. وقد صدر قرار عن “المجمع الفقهي الإسلامي” وهو يضمُّ كبار فقهاء العالم الإسلامي في مكة المكرمة بالمنع، وهذا نصُّه:

“الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، سيِّدنا ونبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه. أما بعدُ: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يوافقه 8-12 إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: (المتاجرة بالهامش، والتي تعني (دفع المشتري [العميل] جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءَه يسمَّى [هامشاً]، ويقوم الوسيط [مصرفاً، أو غيره]، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراةُ لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض…” ” ….ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية:

أولاً: ما اشتملت عليه من الرِّبا الصريح، المتمثِّل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت)، فهي من الرِّبا المحرَّم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [سورة البقرة الآيتان: 278، 279].

ثانياً: أنَّ اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدِّي إلى الجمع بين سَلَفٍ ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمعِ بين سَلَفٍ وبيعٍ، المنهيِّ عنه شرعاً في قول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبيع” الحديث رواه أبو داودَ (3/384) والترمذيُّ (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن َّكلَّ قرضٍ جَرَّ نفعًا فهو من الرِّبا المحرَّم .

ثالثاً: أن المتاجرة التي تتمُّ في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالبًا ما تشتمل على كثير من العقود المحرَّمة شرعاً، ومن ذلك:- المتاجرة في السندات، وهي من الرِّبا المحرَّم، وقد نصَّ على هذا قرار المجمع الفقهي الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة.. – المتاجرةُ في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نصَّ القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غَرَضُها الأساسيُّ محرَّم، أو بعض معاملاتها ربا. -بيع وشراء العملات يتمُّ غالباً دون قبض شرعي يُجيز التصرّف.  -التجارة في عقود الخيار وعقود المستقبليات، وقد نصَّ قرار المجمع الفقهي الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، على أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً؛ لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقًا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه… ومثلها عقود المستقبليات، والعقد على المؤشِّر. – ذلك أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يَمْلِكُ، وبيع ما لا يُمْلَكُ ممنوع شرعاً.

رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصًا العميل (الـمُستثمِر)، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة؛ لأنها تقوم على التوسُّع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالبًا من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونَجش وتقلُّبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدَّخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قَبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديًّا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تُلحق بالمجتمع خسائرَ وأضرارًا فادحة.ويوصي المجمع المؤسسات ِالمالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمَّن الرِّبا أو شُبْهَتَه، ولا تُحدث آثاراً اقتصادية ضارَّة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله وليُّ التوفيق. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين”. انتهى من مجلة “المجمع الفقهي الإسلامي” (العدد 22 ص229). والله تعالى أعلم .

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *