السؤال عن الحكم الشرعي في الأمور التي لا نعلم حكمها
الفتوى رقم 4072 السؤال: السلام عليكم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}، هل هذه الآية معناها ألّا نسأل عن الحكم الشرعي في الأشياء التي لا نعلم حكمها؟
سؤال آخر: أمّي لِبسها غير شرعيّ خارج المنزل، وأحيانا داخله، فهل لو نَشَرْتُ ملابسها أو طويتهم أو غسلتهم عليّ إثم؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بالنسبة للسؤال الأول: ليس المراد من قوله تعالى: (يَاْ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لَاْ تَسْأَلُوْا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [سورة المائدة الآية: 101]،هو ما ذُكر في السؤال، بل المقصود منها كما قال علماء التفسير، منهم الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، في تفسيره لهذه الآية في سورة المائدة: “هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياءَ مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها؛ لأنها إن أُظهرت لهم تلك الأمورُ ربما ساءتهم وشقَّ عليهم سماعها، كما جاء في الحديث: أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “لا يُبَلِّغني أحدٌ عن أحد شيئاً، إني أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”.
وروى البخاريّ ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَر، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟، قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ. ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: سَلُونِي، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالخَيْرِ وَالشَّرِّ”.
وأما قوله تعالى: (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) أي: وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نُهيتم عن السؤال عنها حين يُنزل الوحي على الرسول تُبيَّن لكم وتُظهر، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه. روى الطبرانيُّ والدارقطنيُّ وغيرهما عن أبي ثعلبةَ رضي الله عنه، قال:قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إنّ الله عزّ وجلّ فرض فرائضَ فلا تضيِّعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تقربوها، وترك أشياءَ رحمةً لكم غيرَ نِسيان فلا تبحثوا عنها” (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) أي: عما كان منكم قبل ذلك (وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) أي: لم يزل بالمغفرة موصوفاً، وبالحلم والإحسان معروفاً، فتعرَّضوا لمغفرته وإحسانه، واطلبوا من رحمته ورضوانه”. ملخَّصاً مع تصرُّف يسير.
أما بالنسبة للسؤال الثاني: نسأل الله الهداية للوالدة، ولا حرج في غسل ملابس الوالدة، ولا يُعتبر ذلك إعانة على المعصية.
تنبيه: ننصح السائلة بأن تدعو الله لوالدتها بالهداية، وأن تحثَّها على الحجاب الشرعي بالحكمة والموعظة الحسنة، مع الرِّفق واللِّين في مخاطبتها. والله تعالى أعلم.