إيداع مالٍ في مصرف بالعملة اللبنانية وتحصيله بالدولار بحسب سعر “صيرفة” مع تقاضي البنك نسبة محددة من مجمل المبلغ الـمُعطى بالدولار

السؤال: السلام عليكم، ما حكم الشرع في المعاملة الجديدة التي نصَّ عليها تعميم مصرف لبنان المركزي بإمكان إيداع مالٍ في مصرف بالعملة اللبنانية وتحصيل المبلغ –الـمُودَع- بالدولار، وذلك بحسب سعر “منصّة صيرفة” بعد إتمام الإجراءات الإدارية ونيل الموافقة من المصرف المركزي؟ مع العلم أن بعض البنوك تتقاضى نسبة 2.5% من مجمل المبلغ الـمُعطى بالدولار.

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة للمسألة المذكورة -بحسب اطِّلاعنا على ما يجري في المصارف اليوم، فإن إيداع مبلغ بالليرة اللبنانية في البنك ثم صرفه على “منصة صيرفة” لا يُعَدّ من الربا، وإنما هو عقد صَرْفٍ مشروع، بشرط أن يتمَّ تقابض البدلَيْن في المجلس، وإلا -بأنْ لم يتحقّق هذا الشرط- فهو ربا، ويسمّى ربا النسيئة -أي التأجيل- وهو محرَّم؛ لما رواه البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي المنهال رضي الله عنه، قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما عن الصرف فقالا: كنا تاجرَين على عهد النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسألْنا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصرف، فقال: “إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان نَسَاء –أي تأخير القبض- فلا يصلح”.

واعلم أن القبض إما أن يكون حقيقيًّا أو حكميًّا، فالأول: معروف وهو القبض باليد. والثاني: الحكميُّ، بأنْ يتمَّ وضع البدل أو البدلَيْن في الحساب المصرفيِّ عند التعاقد، أو إثباته عبر إصدار شيك موثّق حالٍّ غير مؤجَّل، وقد أجاز القبضَ الحكميَّ “مجمعُ الفقه الإسلامي الدولي” بقرارٍ رقمه (55/4/6)، يعني من حين إجراء عملية الصرف مع البنك فإنهم يقبضون منك عملة الليرة اللبنانية ويضعون مقابل ذلك عملة الدولار في حسابك في مجلس الاتفاق على الصرف نفسه، وبعد يوم أو أكثر -بحسب الإجراءات الإدارية- يمكنك أن تسحب الدولارات، فيصير مبلغُ ما تمَّ صرفه دولارًا مقبوضًا حُكماً في رصيدك، لكنْ بحسب الإجراءات في البنك، يكون القبض الحقيقيُّ بعد مدّة، بغيةَ إتمام الإجراءات الإدارية المتعارف عليها.

وعليه: فلا حرج في إتمام هذه المعاملة، إذا كان التوصيف كما ذكرنا.

وأما ما يتقاضاه البنك من مبلغ اثنين ونصف بالمائة -كما في نصّ السؤال-: فهذه يمكن تسميتها سمسرة على عملية الصرف، أو جعالة كما يسمِّيها جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- وقد عرَّفها الشافعية‏:‏ بأنها التزامُ عوضٍ معلوم على عمل معيَّن معلوم، أو مجهولٍ يَعسُر ضبطُه‏.

وعليه: فلا حرج في ذلك إذا تمَّ بالتراضي، لكن الواقع خلاف ذلك، حيث يتم إلزام العميل بذلك -مِنْ قِبل بنكٍ بعينه، وقد لا يكون موجودًا في بنوك أخرى- فهذا الإلزام في غير محلّه، ومن ثَمَّ فهو أكلٌ لأموال الناس بالباطل، وللأسف فإن هذا صار شيئاً ملازماً للبنوك في لبنان في وقتنا الحالي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والله تعالى أعلم.

تنبيه: هذه الفتوى الصادرة منحصرة بالتوصيف الوارد في السؤال، وإلّا بأنْ كان الحال مغايرًا –في تفصيلاته- لما عليه نصُّ السؤال، فإنّ الحكم يكون تبعًا لتوصيف كلِّ معاملة بعينها؛ حيث تبيَّن لنا بالاستقراء والتتبُّع لحال تنفيذ مثل هذه المعاملة في بنوك لبنانية عديدة؛ أن الشروط والقيود للإيداع والسحب تختلف من مصرف لآخر.

وعليه: فلا يصحُّ اعتماد هذه الفتوى على كافة صور تنفيذ هذه المعاملة لدى البنوك. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *