ما حُكمُ استعمالِ المعازفِ والأغاني في تسويق مُنْتَجٍ أو سلعة مباحة؟ وهل استخدام ذلك يجعلُ كسبَ الربحِ مالًا محرَّماً؟

فتوى رقم 4429 السؤال: ما حُكمُ استعمالِ المعازفِ والأغاني في تسويق مُنْتَجٍ أو سلعة مباحة؟ خاصَّة أنَّ التسويقَ اليوم عبر النت يحتاج إلى استعمال ذلك لجذب الزبائن، وهل استخدام ذلك يجعلُ كسبَ الربحِ مالًا محرَّماً؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بدايةً، فإنَّ التسويق لا علاقةَ له بمسألة الـمُنتَج أو السلعة التي يسوَّق لها، فإذا كانت السلعة أو المنتج حلالًا، فلا شكَّ في أن بيعه ـــ إذا استوفى الشروط ــــ حلال، والمال الـمُكتسَب حلال، وأمَّا بالنِّسبة لاستخدام وسائل التسويق والدعاية، فالأصلُ في المسلم أن يستخدم وسيلة مباحة غير محرَّمة، فمثلاً استخدام عنصر المرأة المكشوفة العورة لإثارة الـمُشاهِد ولفت انتباهه إلى السلعة أو المنتج هو أمرٌ محرَّم، وكذلك استخدام المعازف الـمُحرَّمة كآلات النفخ أو ذوات الوَتَر محرَّم أيضًا، وقد نصَّ العلماء في كتبهم المعتمدة على ذلك، قال الفقيه المحقِّق ابن حجر الهيتميُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “كفّ الرَّعاع عن محرَّمات اللهو والسماع” (ص:118): “الأوتار والمعازف، كالطُّـــنْبُور والعُود والصَّنْج… وغير ذلك من الآلات المشهورة عند أهل اللَّهو والسَّفاهة والفُسوق، وهذه كلُّها محرَّمة بلا خِلاف، ومَنْ حكى فيه خلافًا فقد غلط أو غلب عليه هَواه، حتى أصمَّه وأعماه، ومنعه هداه، وزلَّ به عن سَنن تَقواه”.

وممَّن حكى الإجماعَ على تحريم ذلك كلِّه: الإمامُ أبو العباس القرطبيُّ، وهو الثقة العدل، فإنَّه قال -كما نقَلَه عن أئمَّتنا وأقرُّوه-: أمَّا الـمَزَامِير والكُوبَة -الدربكة-فلا يُختَلف فِي تحريم سماعها، ولم أسمعْ عن أحدٍ ممَّن يُعتَبر قولُه من السلف، وأئمَّة الخلف مَن يُبيح ذلك، وكيف لا يُحرَّم وهو شعار أهل الخُمور والفُسوق، ومهيِّج للشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يُشَكَّ في تحريمه ولا في تفسيق فاعله وتأثيمه.

وممَّن نقل الإجماعَ على ذلك أيضًا إمامُ أصحابنا المتأخِّرين أبو الفتح سُلَيْمُ بنُ أَيُّوبَ الرازيُّ، فإنَّه قال فِي “تقريبه” بعد أنْ أورد حديثًا فِي تحريم الكُوبَة، وفي حديث آخر: “أنَّ اللهَ يَغفِرُ لكلِّ مذنبٍ إلا صاحب عَرطَبة أو كُوبة”، والعَرطَبة: العُود، ومع هذا فإنَّه إجماع”. انتهى.

وممن حكى الإجماعَ -أي الاتفاق-أيضًا الفقيهُ المحدِّث أبو الحسين البغويُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-في كتابه “شرح السُّنَّة” (12/383) فإنه قال: “وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيم الـمَزَامير والملاهي وَالْمَعَازِف”. انتهى.

وقال الفقيه الحنبليُّ ابنُ قدامةَ -رحمه الله-في كتابه “المغني” (9/132): “آلَةُ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالشَّبَّابَةِ… آلَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ، بِالْإِجْمَاع”. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ -رحمه الله تعالى-في كتابه “فتح الباري” (2/442): «الغناء يُطلق على رفع الصوت، وعلى الترنُّم الذي تسمِّيه العرب (النَّصْب)، وعلى الحُداء، ولا يسمَّى فاعله مغنِّــيًا، وإنـَّما يُسمَّى بذلك مَن يُنشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش؛ أو تصريح”. اهـ.

فالأغاني: هي الكلمات التي تقال، وقد تتضمَّن معازفَ وقد لا تتضمَّن. أما الحكم الشرعي للأغاني فمتوقِّف على ما يتضمَّنه هذا الغناء، فقد قال أهل العلم: فقبيحها قبيح وحَسَنُها حَسَن. وبالإمكان استخدام المؤثرات الصوتية التي لا تُصدر نفسَ أصواتِ المعازف المحرَّمة.

وعليه: فيُمنع شرعاً استخدام المعازف المحرَّمة، ولا حرجَ في استخدام المؤثْرَات الصوتية التي لا تُصدر نفس أصوات المعازف المحرَّمة. وأما الغناء الخالي عن المعازف فلا حرجَ فيه، حالة كونه حسناً -يعني بأنْ كان خالياً من الفحش والباطل-، وأمّا في حالة استعمال المعازف المحرَّمة والغناء القبيح في التسويق للمنتجات والسلع، فهذا لا يؤثِّر على مسألة حِلّ السلعة أو الـمُنتَج المباح، وعلى حِلِّ المال الناتج عن بيعها؛ لأنَّ الحرمة غير متعلِّقة بالسلعة أو الـمُنتَج. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *