شخص يعمل في الأعمال الخيرية، هل يمكن له أن يدفع من ماله الخاص، وعندما يحصل على المبلغ من المتبرع يستعيده؟

فتوى رقم 4367 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخت تقول: والدتي تعمل في أعمال خيرية، وتوزِّع الصدقات، كوسيط بين المتبرِّعين والمحتاجين؛ لكوننا في منطقة منكوبة، وقد وعدها بعض المتبرِّعين بمبلغ لتوزيعه، لكن لم يتيسَّر تحويل هذا المبلغ لها، فتطوَّعت هي بنفسها بإعطاء المحتاجين مبلغًا، وفي نيَّتها استرداد هذا المبلغ عندما يتم التحويل، فهل لها فعل ذلك؟ علمًا أن المبلغ الموعود تحويله غير مضمون، فهل لها أن تنويَ ـــ في حال لم يتم تحويل المبلغ ـــ أن تحتسبه صدقة منها؟ أو حتى أن تحتسبه زكاةً عن المتبرِّع؟ وذلك قياساً على جواز أداء زكاة فطر ــ مثلا ــ عن شخص، ثم استرداد ذلك منه فيما بعد؟

هذا سؤال، والسؤال الآخر: أنني آخذ من أخت صدقة لشراء دواء لمحتاج؛ فإذا تأخرَتْ هي بإرسال المال، ثم دفعت أنا ثمن الدواء للمريض، فهل لي استرداده عند إرساله؟ ولنفرض أنه لم يُرسل، فهل لي احتسابه صدقة مني؟ علماً أنه ــ فعلًا ــ تم الإرسال، وأخبرت الأخت أنني دفعت وسأستردُّ ما دفعته. أفيدونا أفادكم الله، بخاصة أن هذا الأمر قد يتكرَّر، وهل يجب عليَّ إخبار المتصدِّق بما أفعله، أم لا؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة للسؤال الأول: إذا كان المال المقصود هو زكاة، فيُشترط لصحة ما تقوم به الوالدة التوكيلُ من صاحب المال؛ لأن الزكاة لا تُخرج إلا بنيَّة من صاحبها، فإذا وكَّل المزكِّي والدتك، بأن تدفع منها زكاة ماله فهذا توكيل، ويكون المبلغ المدفوع هو في حكم قرضٍ منها للمزكِّي، وهي تدفعه للمستحقين بوكالتها عنه، ففي هذه الحالة لا حرجَ فيما قامت به، فإذا توافر الشرط المذكور جاز لها أن  تستردَّ ما دفعته للمستحقين للزكاة مما يرسله المزكي؛ لأنه استيفاء للقرض الذي دفعته الوالدة للمستحقين على نية المزكِّي.

وقد نصَّ فقهاء الشافعية وغيرهم على جواز ذلك ، قال الإمام النوويُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ تعالى في كتابه” المجموع” (6/138): ” له أن يُوكِّل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه .. .وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة؛ لأنها تشبه قضاء الديون، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك…”انتهى. وأما إذا لم يكن ثمَّة إذن ولا توكيل من المزكِّي للوالدة، فلا يَصِحُّ دفعُ المال بنية الزكاة عن غيرها ، وإن ما دفعته لا يمكن لها استرداده من مال المزكِّي باتفاق الفقهاء؛ لكونها أخرجت زكاة مال غيرها من غير إذن ولا توكيل، فما دفعته لا يُعَدُّ زكاة مالِ ذلك المزكِّي؛ لأنه يفتقر إلى نية الموَكِّل، ولم تحصل تلك النية في وقت الدفع للمستحق، فالمال الذي دفعته الوالدة يُعتبر تَبرُّعًا منها للمحتاجين.

وأما إذا كان المال من صدقات تطوُّع،  فلا يَصِحُّ أيضاً أن تدفع الوالدة من مالها من دون إذن أو توكيل؛ لأن المتصدِّق أو المتبرّع  بعد أن دفعت هي من مالها وكَّلها بدفع صدقته إلى المحتاجين، والوكيل مُؤتمَن، روى الإمام أحمد في مسنده والدارقطنيُّ في سننه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يَحِلُّ مال امرئ مسلم إلا بِطيبِ نَفْسٍ منه». وأيضاً فإنَّ الثواب ــ ثواب الصدقة ــ لم يحصل للدافع؛ لأنها حصلت من غير إذنه.

وعليه: فما تقوم به من دفع المال للمحتاجين من دون توكيل وإذن على أن تستردَّ المال من أموال المزكِّين أو المتبرِّعين غير صحيح؛ لأنها صارت في حكم الآخذ للزكاة والتبرُّعات التي جاءت لإيصالها للمستحقين والمحتاجين.

وأما بالنسبة للسؤال الثاني: فالجواب نفسه، والمطلوب إعلام المتبرِّع، بأنكِ ستدفعين المبلغ للمحتاج، أو لشراء الدواء للمريض الفقير ، فإنْ أَذِنَ ورضي المتبرِّع بذلك، يصير إقراضاً له، وتوكيلاً منه، ويسدِّد المبلغ بعد ذلك المتبرِّعُ لمن دفعه. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *