هل يجوز إسقاط الدَّيْن واحتسابه زكاة؟

فتوى رقم 4616 السؤال: توصيف المشكلة: قمتُ بشراء منزل عبر التقسيط لمدة 5 سنوات من تاجر عقارات، ودفعت ما يقارب نصف قيمة المنزل قبل الأزمة المالية في لبنان. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، تعذَّر عليَّ دفعُ المبالغ المتبقية بالدولار، مما أدى إلى توتر العلاقة بيني وبين التاجر ورفع القضية إلى القضاء دون حلّ. ولكن مؤخرًا توصلت إلى اتفاق مع التاجر بسداد مبلغ 22 ألف دولار بدلاً من 67 ألف دولار المتبقية، وقد اقترضت هذا المبلغ من أقاربي. توصيف الوضع المالي: كنت أعمل وكان وضعي المالي جيدًا قبل الأزمة. ولكن أنا الآن بلا عمل ولا دخل، انتقلت للعيش مع زوجي في أوروبا، وضعه المالي يتراوح بين المتوسط والصعب أحيانًا. زوجي هو المسؤول عن معيشتي في أوروبا دون أن يكون له تدخُّل في حلِّ أزمة الشقة، خاصة أنني اشتريتها من مدَّخراتي الخاصة عندما كنت عزباء. مدخراتي الشخصية قدرها حوالي 5000 دولار يتمُّ استخدامها لتغطية حاجاتنا الحالية مثل الطعام والمصاريف وتكاليف الولادة القادمة. أمتلك سيارة في لبنان معروضة للبيع لسداد بعض ديون الشقة، و لا يمكنني سداد كامل المبلغ المقترض قبل أن أعمل من جديد.

المسألة الأولى: يقول التاجر إنه سيحتسب المبلغ المتبقِّي عليَّ (ما يقارب ال ٤٥ ألف دولار) من الشقة كزكاة عن أمواله. فهل يجوز له ذلك؟ وهل أنا من الأصناف الذين تجوز عليهم الزكاة (الغارمون)؟ وإذا كان الجواب لا، هل أُحاسَب أنا على نيته تلك في إخراج الزكاة؟

المسألة الثانية: خلال التفاوض حول المبلغ الذي سيتمُّ دفعه ما بين 22 و 25 ألف دولار، سألني التاجر إذا كنت موافقة على فرق الـ 3000 دولار كزكاة، بطريقة أحسستها استنكارية. فأجبت بنعم متسرِّعة في ذلك، بنيَّة الوصول إلى حلّ، وبنيَّة قَبولي بها كصدقة لا كزكاة، دون فهم كاملٍ لشروط الزكاة. لكن عندما سألني إذا كانت تجوز عليَّ الزكاة، قلت له ممكن فعليَّ ديون، وبأنني لست أهلاً لأجيب على هذا السؤال. ولكن ما يهمُّني هو أنْ تَقبل أنت بمبلغ الـ 22 ألفاً، فأجاب بنعم. فهل أحاسب على إجابتي بخصوص الزكاة إذا كان لا يَصِحُّ إخراجها لي؟  

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بدايةً، فإنَّ التوصيف الفقهي بالنسبة لحالتك، أنك غارمة-مَدِينة- عليك دين، ولو كان هذا الدين للمصلحة الشخصية، كما في السؤال – ثمن منزل- وشَرَطَ بعض الفقهاء، أنْ لا تكون الاستدانة في الأصل لأخذ الزكاة، ولا مانعَ من أخذ الزكاة في الحالة المذكورة، لكنْ ما في السؤال ليس دفعاً للزكاة للغارم، وإنما هو إسقاط للدَّين، وفرق كبير بين الإعطاء والإسقاط،  فقد جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/300) ما يلي: “ﻻ‌َ ﻳﺠﻮﺯُ ﻟﻠﺪَّﺍﺋﻦِ ﺃَﻥْ ﻳُﺴﻘِﻂَ دَينَهُ ﻋﻦْ ﻣَﺪِﻳﻨﻪِ الفَقِيرِ ﺍﻟْﻤُﻌْﺴَﺮِ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﻟَﻴْﺲَ ﻋِﻨْﺪَﻩُ ﻣَﺎ ﻳَﺴُﺪُّ ﺑِﻪِ ﺩَﻳْﻨَﻪُ ﻭَﻳَﺤْﺴِﺒَﻪُ ﻣِﻦْ ﺯَﻛَﺎﺓِ ﻣَﺎﻟِﻪِ، ﻓَﺈِﻥْ ﻓَﻌَﻞ ﺫَﻟِﻚَ ﻟَﻢْ ﻳُﺠْﺰِﺋْﻪُ ﻋﻦِ ﺍﻟﺰَّﻛﺎﺓِ، ﻭَﺑﻬَﺬَﺍ ﻗَﺎﻝ ﺍﻟْﺤَﻨَﻔِﻴَّﺔُ ﻭﺍﻟْﺤَﻨَﺎﺑِﻠَﺔُ ﻭَﺍﻟْﻤَﺎﻟِﻜِﻴَّﺔُ ﻣَﺎ ﻋَﺪَﺍ ﺃَﺷْﻬَﺐَ، وﻫُﻮَ ﺍﻷ‌ْﺻَﺢُّ ﻋِﻨْﺪَ ﺍﻟﺸَّﺎﻓِﻌِﻴَّﺔِ، ﻭَﻗَﻮْﻝ ﺃَﺑِﻲ ﻋُﺒَﻴْﺪٍ، ﻭَﻭَﺟْﻪُ ﺍﻟْﻤَﻨْﻊِ ﺃَﻥَّ ﺍﻟﺰَّﻛَﺎﺓَ ﻟِﺤَﻖِّ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺗَﻌَﺎﻟَﻰ، ﻓَﻼ‌َ ﻳَﺠُﻮﺯُ ﻟِﻺ‌ْﻧْﺴَﺎﻥِ ﺃَﻥْ ﻳَﺼْﺮِﻓَﻬَﺎ ﺇِﻟَﻰ ﻧَﻔْﻊِ ﻧَﻔْﺴِﻪِ، ﺃَﻭْ ﺇِﺣْﻴَﺎﺀِ ﻣَﺎﻟِﻪِ، ﻭَﺍﺳْﺘِﻴﻔَﺎﺀِ ﺩَﻳْﻨِﻪِ.” انتهى. وﻗﺎﻝ اﻹمام ﺍﻟﻨﻮﻭﻱُّ -ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ- في كتاب “المجموع شرح المهذَّب” (6/210): “ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﺮﺟﻞٍ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺴﺮ دَيْنٌ، ﻓﺄﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠَﻪ ﻋﻦ ﺯﻛﺎﺗﻪ، ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﺟﻌﻠﺘُﻪ ﻋﻦ ﺯﻛﺎﺗﻲ؛ ﻓﻮﺟﻬﺎﻥ ﺣﻜﺎﻫﻤﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ أصحُّهما: ﻻ‌ ﻳُﺠﺰِﺋﻪ، ﻭﺑﻪ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺼَّﻴْﻤَﺮِﻱّ، ﻭﻫﻮ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔَ ﻭﺃﺣﻤﺪ؛ ﻷ‌ﻥ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻓﻲ ﺫﻣﺘﻪ ﻓﻼ‌ ﻳﺒﺮﺃ ﺇﻻ‌ ﺑﺈﻗﺒﺎﺿﻬﺎ”. انتهى.

وعليه: فيمكن للمزكِّي أنْ يُعطيَك من زكاة ماله، على اعتبار أنَّك من الغارمين -مَدِينة- ومن ثَمّ يمكن لك أن تدفعي هذا المال لسداد الدَّيْن له. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *