أعمل في القطاع الصِّحِّي، وتخصُّصي هو في الصحة وحملات التوعية ووقاية الامراض، وضمن تخصُّصي الصِّحَّةُ الجنسية، وقد أُضطرُّ للاجتماع مع أشخاص شواذ جنسيًا للتوعية

الفتوى رقم 4050  السؤال: السلام عليكم، أنا أعمل في القطاع الصِّحِّي، وتخصُّصي هو في الصحة وحملات التوعية ووقاية الامراض، وضمن تخصُّصي الصِّحَّةُ الجنسية، وقد أُضطرُّ للاجتماع مع أشخاص شواذ جنسيًا للتوعية، فهل عملي معهم هذا حرام؟ كوني أُعتبر أني أعترف بهم في المجتمع؟

 الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بداية، بما أنك مسلم وحريص على دينك، فهذا بابُ خيرٍ فُتح لك، لتَدُّلَ الناس على ما فيه صلاحٌ لهم، واعلم أن الصِّحّةَ –العافية- بالعموم، ومنها الصِّحّةُ الجنسية، مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاء بها ديننا الحنيف، وشرعَ لها أحكاماً خاصة بها للمحافظة عليها، والتي يترتب عليها حفظ النسل، والأنساب، وحفظ المعاشرة الجنسيَّة، بالطرق المشروعة التي تحفظ صحة الفرد والأسرة والمجتمع كلِّه، وكذلك حرَّم أشياء تضرُّ بالصِّحَّة الجنسيَّة التي ينتج عنها أضرار خطيرة، تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع، ومن تلك الأضرار: الزنا، وعمل فعل قوم لوط، والسُّحاق (الشواذ، مجتمع الميم، المثلية) مع الإشارة إلى أن الصّحّة الجنسيَّة تتوافق مع جانبٍ من الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الذكر والأنثى، قال الله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سورة الروم الآية:30]. وقال الله تعالى مُخبِراً عن نبيّه لوط: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ) [سورة الشعراء الآيات: 165-168].ومعنى (القالين): أي المبغضين: لا أحبه ولا أرضى به وإني بريء منكم. فنبيّ الله لوط عليه السلام كان واضحاً في هذه المسألة التي لا يمكن للمسلم أن يكون حيادياً فيها، بل الواجب عليه أن يبيِّن خطورة هذا الفعل المخالف لفطرة الإنسان السّوِيّ.

وعليه: فالمطلوب منك أثناء التحدث مع الناس -ومنهم الشواذ- سواء كانوا مسلمين أم كفارًا أن تبيّن لهم خطورة الشذوذ الجنسي وما الذي يترتب عليه سواء على مستوى الطب النفسي أو الطب الجسدي أو على مستوى فطرة الإنسان، وينبغي لمن هم كفار أن تحرص على هدايتهم للدخول في الإسلام؛ فتدعوهم لتوحيد الله كما في حديث الصحيحين: “أنه صلَّى الله عليه وسلَّم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله“. وفي رواية للبخاري: ” فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحّدوا الله“.

وتضيف على ذلك للشاذِّين من المسلمين أن تبيّن لهم أن في ذلك عصيانًا لله تعالى ووقوعًا في كبيرة من كبائر الذنوب، وتنصحهم بالتوبة وحمل أنفسهم على البعد عن هذا الفعل الشنيع،ففي الصحيحين، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “ومَن يسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه الله، ومَنْ يتصبَّر يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ منَ الصَّبر”. روى الإمام أحمد في مسنده والطَّبرانيُّ في معجمه الكبير عن أبي أُمامة رضي الله عنه: أنَّ غلامًا شابًّا أتى رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسولَ الله، ائذن لي في الزِّنا، فصاح النَّاس: مَهْ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقِرُّوهُ، ادْنُ، فدنا حتَّى جلس بين يَدَي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: أتحبُّه لأمِّك؟ قال: لا، قال: وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لأمَّهاتهم، أتحبُّه لابنتِك؟ قال: لا، قال: وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لبناتهم، أتحبُّه لأختك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبُّونه لأخواتهم، أتحبُّه لعمَّتك؟ قال: لا، قال: وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لعمَّاتهم، أتحبُّه لخالتِك؟ قال: لا، قال: وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لخالاتهم، فوضع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدَه على صدْرِه، وقال: اللهُمَّ كفِّر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحصِّن فرجَه”. وينبغي أن تخبرهم أن الوقاية الحقيقية هي بالابتعاد عن كلِّ ما يؤدي إلى هذا الشذوذ، وليس الوقاية لأضراره فقط مع البقاء على ممارسته ولو لم تصرح لهم بذلك، فإرشادهم إلى الوقاية من الأضرار الصحية الجسدية فقط لكي يستمروا في شذوذهم -وأنت لست مُكْرَهاً على ذلك- فلا شك في حرمته وهي كبيرة من كبائر الذنوب، وتدخل تحت مفهوم نشر الفاحشة، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة النور الآية:30].

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *