نسبة الربح التي يجوز للبائع وضعها على المنتج أو الخدمة
الفتوى رقم 3668 السؤال: السلام عليكم، ما هي نسبة الربح التي يجوز للبائع أن يضعها على المنتج أو الخدمة؟ وهل حدَّد الإسلام نسبة معينة؟ وهل يجوز للشخص أن يأخذ أجرته وحقّه بدون علم الشخص الذي يقدّم له الخدمة؟ مثلًا لو أنَّ صديقي طلب مني شراء غرض، وأنا اشتريته بثمانية دولارات، وقلت له: سعره عشرة دولارات واعتبرت الزائد هو مقابل التعب والجهد، فهل يجوز ذلك؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بالنسبة للسؤال الأول: الأصل أن الأرباح يحدِّدها السوق من حيث العرض والطلب، وبما يراه البائع مناسباً لرواج سلعته في السوق. فقد جاء في القرار الصادر عن “المجمع الفقهي الإسلامي” بجدة ما يلي:
“أولًا: الأصل الذي تقرِّره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحرارًا في بيعهم وشرائهم وتصرُّفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغرَّاء وضوابطها؛ عملًا بمطلق قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [سورة النساء الآية:29].
ثانيًا: ليس هناك تحديد لنسبة معيَّنة للربح يتقيَّد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التجارة والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير.
ثالثًا: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته؛ كالغِشّ، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
رابعًا: لا يتدخل وليُّ الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللًا واضحًا في السوق والأسعار ناشئًا من عوامل مصطنعة؛ فإن لوليِّ الأمر حينئذ التدخُّل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش”. انتهى.
وقد ذكر الفقهاء أن الحاجات الأساسية والضرورية للناس لا يجوز فيها استغلال حاجة الناس إليها برفع أسعارها عن طريق الاحتكار الذي هو: حبس التجار طعام الناس وأقواتهم عند قلَّتها وحاجتهم إليها، ليرتفع السعر ويغلو. وقد اتفق العلماء -في الجملة- على أنه لا يجوز الاحتكار إذا أضرَّ بالناس، وقيَّدوا ذلك بقيود اتفقوا على أغلبها، واختلفوا في بعضها.
ودليل التحريم ما أخرجه مسلم في صحيحه وغيرُه أن النبيَّ ﷺ قال: “لا يحتكر إلا خاطئ”. وفي “المستدرك” للحاكم النيسابوري: “أن النبيَّ ﷺ نهى أن يُحتكر الطعام“. وفي مسند الإمام أحمد أن النبيَّ ﷺ قال: “من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه. وأيُّما أهلِ عَرْصَةٍ (حيّ، منطقة) أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذِمَّة الله”. وفي “المستدرك” للحاكم النيسابوري أنه ﷺ قال: “الـمُحتكِر ملعون“.
وقد عدَّ بعض أهل العلم الاحتكارَ من كبائر الذنوب، بناء على الوعيد الوارد في بعض الأحاديث، وممن ذكر ذلك الفقيه الشافعيُّ ابن حجر الهيتميُّ -رحمه الله- في كتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر”. والمقصود من تحريم الاحتكار منع إلحاق الضرر بالناس في الحاجات الأساسية كالطعام… ونحوه كوقود السيارات الذي يدخل اليوم في الحاجات الأساسية. والله تعالى أعلم.
أما بالنسبة للسؤال الثاني: فالأصل في التعاملات المالية بين الناس الوضوح حتى لا يحصل أي جهالة أو غرر يؤدي إلى نزاع وخصام، فإذا كنت في الأصل تعمل في جلب البضائع والسلع أو تؤدي خدمات مقابل بدَل مالي (أجرة) على ذلك، فلا مانع بشرط تحديد البَدل المالي قبل القيام بذلك، وإذا لم تحِّدد الأجرة تأخذ أجر المثل أي: الأجر المعروف المعروف في سوق العمل. أما إذا لم تكن تعمل هذا العمل وطلب منك شخص جلب سلعة له أو أداء خدمة ولم يحصل اتفاق مسبق على بدَل مالي (أجرة) فَلا يَحِلُّ لك طلب أجرة، فعملك هنا تطوُّع، ويدخل تحت مسمَّى الوكالة بغير أجرة، والوكيل أمين فلا يَحِلُّ له أخذ زيادة على الثمن، ويُعتبر ذلك أكلًا لأموال الناس بالباطل.
والله تعالى أعلم.