خالي مالُه كلُّه من الغناء، فهل يجوز أخذ الصدقة منه وإنفاقها على المحتاجين من العائلة؟
الفتوى رقم 3538 السؤال: السلام عليكم، خالي مالُه كلُّه من الغناء، هو يصوم ويصلِّي، أصبح عمره تقريبًا ستين عامًا، فهل يجوز أخذ الصدقة منه وإنفاقها على المحتاجين من العائلة؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
لا شكَّ بأن هذا المال اكتُسب بطريقة محرَّمة، وقد أجمع علماء المذاهب الفقهية كافَّة على ذلك. قال الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في “شرحه على صحيح مسلم” (10/231): “أجمعوا على تحريم أجرة المغنِّية للغناء”. انتهى. وقال الفقيه ابن عابدين الحنفي -رحمه الله- في كتابه “رد المحتار على الدر المختار” (6/424): “من السُّحْتِ ما يأخذه أصحاب المعازف، ومنها -كما في “الـمُجتبى”- ما تأخذه المغنِّية على الغناء”. انتهى.
وأما بالنسبة للتصدُّق بهذا المال، فالصدقة لا تُقبل إلا إذا كانت من كَسْبٍ طيِّب؛ لحديث البخاريِّ ومسلم في صحيحَيْهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ”. وفي لفظٍ للبخاري: “وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ”.
وقد نصَّ بعض الفقهاء -ومنهم السادة المالكية وبعض الشافعية- على أن الحرمة في هذا المال ليست لذاته بل لأمر خارجي وهو الغناء؛ لأن المغنِّي أخذه برضا صاحبه، بخلاف المال المحرَّم لذاته كالمسروق. وقد نقل الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “المجموع” عن الإمام الغزالي -رحمه الله- فقال: “وإذا دفعه -المال الحرام- إلى الفقير، لا يكون حرامًا على الفقير؛ بل يكون حلالًا طيبًا (أي للفقير) قال: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع، ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه، نقله الغزالي أيضًا عن معاويةَ بنِ أبي سفيان، وغيرِه من السلف، عن أحمدَ بنِ حنبل، والحارث الـمُحاسِبي، وغيرهما من أهل الورع”.انتهى.
وعليه: فالمطلوب من المغنِّي أن يتوب إلى الله، نسأل الله له التوبة، وبالنسبة لصدقته فلا أجر له فيها؛ لأنه كَسَبه بطريق محرَّم، وأما ما تفعلينه أنت من أنك تنفقين هذا المال على فقراء ومساكين العائلة، فلا حرج فيه، وقد بينَّا ذلك من خلال أقوال أهل العلم.
والله تعالى أعلم.