هل سبُّ الذات الإلهية في النفس قصداً أو التخيُّل الكفريُّ المقصود، أو أي كفر في النفس قصداً يُعَدُّ كفراً؟
فتوى رقم 4871 السؤال: السلام عليكم، أنا مسيطر عليَّ الوسواس، فهل سبُّ الذات الإلهية في النفس قصداً أو التخيُّل الكفريُّ المقصود، أو أي كفر في النفس قصداً يُعَدُّ كفراً؟ وكيف يتوب الشخص من ذلك كلِّه؟ لأن أحاديث النفس حتى وإن كان الشخص غير مريض لا نستطيع التحكُّم بها.
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإنَّ الوسواس إما أن يكون مرضاً عضويًّا ويسمَّى الوسواس القهري، فهذا يعالَج بتناول أدوية محدّدة، فننصح السائلة باستشارة طبيبٍ ثِقة، وإما أن يكون الوسواس من الشيطان فالحلّ:
أولاً :بالعلم، أن يتعلَّم المسلم أمور دينه عن طريق مجالس العلم التي يعطيها العلماء المتخصِّصون.
وثانياً: بالمحافظة على الأوراد والأذكار المأثورة الواردة في السُّنَّة النبويَّة الصحيحة، وكثرة الدعاء، وتلاوة القرآن الكريم، والمحافظة على الوضوء. وبإمكانك الرجوع إلى كتاب الإمام النوويِّ -رحمه الله تعالى- المسمَّى “الأذكار”، ففيه كلُّ الأوراد والأذكار المأثورة المفيدة في هذا المجال وغيره.
وننبِّه على أن هذا الوسواس؛ سواء كان قهريًّا أو كان من الشيطان، أنه لا أثرَ له من الناحية الشرعية، فما يصدر منك من أفكار كفرية مع الضيق والكراهية لتلك الوساوس، لست مؤاخذة به؛ لحديث البخاريِّ ومسلم في صحيحَيْهما عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتي ما وسْوَسَتْ به صُدُورُهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ». قال الإمام النوويُّ -رحمه الله- في كتابه: “الأذكار” ص:346: “الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقرَّ ويستمرَّ عليه صاحبُه، فمعفوٌّ عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنفسَها ما لم تتكلَّم به أو تعمل». قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غِيبةً أو كفراً أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خَطران مِنْ غير تعمُّد لتحصيله، ثم صَرَفَه في الحال، فليس بكافر ولا شيءَ عليه”. انتهى.
واعلمي: أن رفضكِ لهذا الوسواس أو الخيال، هو دليل على حرصك على إيمانك وصلاتك وصيامك، روى الإمام مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: «جاء ناس من أصحاب النبيِّ ﷺ فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلَّم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان». وفي رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «سُئل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الوسوسة قال: تلك مَحْضُ الإيمان». قال الإمام النوويُّ – رحمه الله – في “شرح مسلم “(2/154) -لما ذكر هذه الأحاديث- ما نصُّه: “أما معاني الأحاديث وفقهها: فقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: “ذلك صريح الإيمان ومَحْضُ الإيمان” معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدَّة الخوف منه ومن النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمانَ استكمالًا محقَّقًا وانتفت عنه الريبة والشكوك”. انتهى.
وعليه: فإن إيمانك -بإذن الله- سليم، ورفضك لتلك الوساوس وصبرك هذا أنت مأجورة عليه، فالمطلوب منك استشارة طبيب ثقة، والاستعاذة بالله من الشيطان كلما أتى الوسواس، قال الله تعالى: (وإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة الأعراف الآية: 200]. وأيضاً فإن المطلوبَ الإكثارُ من تلاوة القرآن الكريم وتدبُّره، والدعاء -خاصة في سجود الصلاة- بأن يَصْرِفَ اللهُ عنك هذا الوسواس. وأيضاً أن تملئي وقتك بالنافع والمفيد، فالفراغَ مقتلة للإنسان. وأما بالنسبة لما تقولينه من كلمات شنيعة -كما قلتِ في السؤال- فيجب عليك عدم قول هذه الكلمات، أو ترديد تلك العبارات. والله تعالى أعلم.