هل أنا ملزم شرعًا أن أعطيَ الموظَّف ما تُقِرُّه الدولة مما تراه حقًّا له غير المعاش؛ كالتعويض…؟
فتوى رقم 4865 السؤال: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، إذا كان لدي مؤسسة أو شركة تعمل بشكل جيد ولدي موظَّفون. السؤال :هل أنا ملزم شرعًا أن أعطيَ الموظَّف ما تُقِرُّه الدولة مما تراه حقًّا له غير المعاش؛ كالتعويض، والعطلة السنوية، وبدل النقل، والمنحة المدرسية، وغير ذلك؟ علمًا أنني أستطيع التنصُّل من هذه الحقوق.
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإنَّ الأصل في العقود التزام المتعاقدين بشروط العقد الذي اتفق عليها إلا إذا كان ثمة شرط حَرَّم حلالاً أو أَحلَّ حراماً، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [سورة المائدة، الآية: 1]. ولحديث أبي داودَ في سننه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «المسلمون على شروطهم». ولما رواه الترمذيُّ في سننه بسند صحيح أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «المسلمون على شروطهم؛ إلا شرطاً حرمًّ حلالاً أو أحلَّ حراماً». وقد نصَّ فقهاء المذاهب الفقهية المعتبرة على القاعدة الفقهية: “العَادَةُ مُحَكَّمَةٌ” وقاعدة: “المَعْرُوفُ عُرْفًا كالمَشْرُوطِ شَرْطًا”، فالعادة: هي ما اعتاد الناس عليه، وتكرَّر منهم فعله، سواءً كانت تلك العادة تختصُّ بأفراد أو جماعات. ونصَّ الدكتور محمد الزحيلي في كتابه “القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة” (1/323) على أنه: “إنما تُعتبر العادةُ إذا اطَّردت، فإذا اضطربت فلا”. انتهى. ويقول العلامة عبد الوهاب خَلَّاف -رحمه الله- في كتابه “علم أصول الفقه” (ص 88 -90): “العُرف: هو ما تعارفه الناس وساروا عليه، من قول، أو فعل، أو ترك، ويسمَّى العادة. وفي لسان الشرعيين: لا فرق بين العرف والعادة … فالعرف الصحيح: هو ما تعارفه الناس، ولا يخالف دليلاً شرعيًّا، ولا يُحِل محرماً، ولا يبطل واجباً”.انتهى باختصار.
وقال شيخنا الدكتور محمد الزُّحيلي -حفظه الله- في كتابه: “القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة” (1/345و346 ): “الثابت بالعرف كالثابت بالنصِّ، أو بالشرط….إن المعروف المعتاد بين الناس، وإن لم يذكر صريحاً، فهو بمنزلة الصريح لدلالة العرف عليه، لأن المعروف عُرفاً كالمشروط شرعاً، وفي كلِّ محلٍّ يُعتبر ويراعى فيه شرعاً صريح الشرط المتعارف، وذلك بألَّا يكون مصادماً للنَّصِّ بخصوصه، إذا تعارفه الناس، واعتادوا التعامل عليه بدون اشتراط صريح، فهو مرعيٌّ، ويُعتبر بمنزلة الاشتراط الصريح؛ لأن العادة محكَّمة (مجلة الأحكام العدليَّة/36). وهذا رأي الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة. أما إذا كان الشرط المتعارف الصريح غير معتبرٍ شرعاً، وذلك بأنْ كان مصادماً للنص بخصوصه، فلا يكون معتبراً إذا تعارف الناس العمل عليه بدون اشتراط، فلو تعارف الناس مثلاً تضمين المستعير والمستأجر ما تلف من العين الـمُعارة أو المأجورة بدون تعدٍّ ولا تقصير منه، لا يعتبر ذلك التعارف ولا يراعى، لأنه مضادٌّ للشارع. وإنَّما قيد الشرط بالمتعارف، لأن غير المتعارف لا يعتبر إلا إذا كان شرطاً يقتضيه العقد، كاشتراط حبس المبيع لاستيفاء الثمن، أو يلائمه، كاشتراط كفيل حاضر ورهن معلوم، فهو غير ما نحن فيه.” انتهى.
يقول الشيخ عزت الدعَّاس -رحمه الله- في كتابه: “القواعد الفقهية مع الشرح الموجز” (ص 41): “إن توابع العقود التي لا ذِكْرَ لها في العقود تُحْمَلُ على عادة كلِّ بلد، كالإجارة ونحوها”. انتهى. وقال العلَّامة أحمد الزرقا -رحمه الله- في كتابه “شرح القواعد الفقهية بقلم ابنه الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله ” (ص: 237): “لا تسمع الدعوى بخلاف ما تعورف واعتيد العمل به بدون شرط، كما لا تسمع الدعوى بخلاف ما شرط صريحاً مما تعورف، ولذا قالوا: لو ادَّعى نازل الخان، وداخل الحمام، وساكنُ المعَدِّ للاستغلال، الغصب، ولم يكن معروفاً به، لم يصدَّق في ذلك، ويلزمه الأجر، كما لو استخدم صانعاً في صنعةٍ معروف بها، وبها قوام حاله ومعيشته، ولم يعيِّن له أجرة، ثم طالبه بالأجر، فادعى أنه استعان به مثلاً، فإنه لا يُسمع منه، ويلزمه أجر مثله”.انتهى.
يقول الدكتور صالح السدلان في كتابه “القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها” (ص 456): “لو أجَّر رجلٌ عاملاً عنده من غير تحديد الأُجرة، فيجبر صاحب العمل على دفع الأجرة المتعارف عليها”. انتهى. ومعروف أن نوعية العمل وطبيعة المؤسسة التي يعمل بها الموظَّف تحدد ما إذا كان له تعويض أم لا، والتعويض وتوابعه هي جزء من الراتب المتفق عليه عندما يتم التعاقد؛ لأن صاحب العمل يدفع لصندوق التعويضات قبل نهاية كل سنة عمل، مبلغاً محدَّداً لصالح الموظَّف لديه.
وعليه: فإذا لم يَنص صاحبُ العمل على خلاف المتعارف عليه في العقد المبرم مع الموظف، فهو ملزم بما تعارف عليه الموظَّفون في الشركات والمؤسسات فيما يتعلق بالتعويضات ونحوها المتعارف عليها في بلدنا لبنان. والله تعالى أعلم.