طالب تمَّ تسجيله في المدرسة، لكن -بسبب الحرب- اضطرت عائلته للسفر، ما حكم القسط الذي تمَّ دفعه؟
فتوى رقم 4829 السؤال: ما حكم طالب تمَّ تسجيله في المدرسة، لكن -بسبب الحرب القائمة الآن- اضطر والده للسفر رفقة عائلته إلى خارج البلد واضطرت المدرسة للتدريس افتراضيًّا (أونلاين) ومن ثَـمَّ فتحت أبوابها للتدريس حضوريًّا، فهل يَحِقُّ للوالد فسخُ العقد، أم يتابع الطالب دراسته أونلاين، وإن لم يكن أونلاين فما الحكم؟ وما يُعمل بقسط المدرسة؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإن عقد المدرسة مع وليِّ أمر الطالب لأجل تعليمه يدخل تحت مسمَّى الإجارة على الأعمال، والأصل في عقد الإجارة أنه عقد لازم، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم، واتفقوا على أنَّ من أركــــان العقد، المعقود عليه -المنفعة والأجـــرة-، ومن شروطه: القدرة على تسليمهـا -المنفعة- واستيفائها حقيقة وشرعاً، وتحقُّقِ المصلحة منها، فإذا تعذَّر تحصيل ذلك، سواء كان من قِبَل المؤجِّر، أو بسبب خارج عن المؤجر، لكنه لم يستطع تسليم المنفعة المتفق عليها -وهي هنا التعليم المباشر -، أو بدلاً عنها المتعارف عليه (أونلاين)؛ لأن العُرف وكذا العادة لهما اعتبار أيضاً، للقاعدة الفقهية التي أوردتها مجلة الأحكام العدلية (مادة 527). فإذا لم تُستوفَ المنفعة التي لأجلها عُقد عَقْدُ الإجارة -وهي التعليم- لم يستحقَّ المؤجِّرُ الأُجرة، إلا بقدر ما سلَّمه للمستأجر واستوفاه، كما في عقود التعليم في المدارس المتعارف عليها في بلدنا لبنان. يُنظر حاشيةُ العلَّامة ابن عابدينَ الحنفيِّ رحمه الله تعالى (5/8 وما بعدها). ونصَّت “الموسوعة الفقهية” (1/271) على أنَّ: “فسخ الإجارة للعذر: عند الحنفية، كما تقدَّم، أنهم يرَوْنَ جوازَ فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم)، ولا يبقى العقد لازماً، ويَصِحُّ الفسخ؛ إذ الحاجةُ تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحبَ العذر ضررٌ لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعاً من التزام الضرر، وله ولاية ذلك. وقالوا: إنَّ إنكار الفسخ عند تحقُّق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن مَن اشتكى ضرسَه، فاستأجر رجلاً ليقلعَها، فسكن الوجع، يُجبر على القلع. وهذا قبيح شرعاً وعقلاً. ويَقْرُبُ منهم المالكيةُ في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسَّع فيه الحنفية؛ إذ قالوا: لو كان العذر بغَصْبِ العين المستأجَرة أو منفعتِها، أو أمرِ ظالمٍ لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حَمْلِ ظِئْرِ [أي: مُرضع] -لأن لبن الحامل يضرُّ الرضيع- أو مرضِها الذي لا تقدر معه على رضاع؛ حُقَّ للمستأجر الفسخ، أو البقاء على الإجارة”. انتهى. وقد أخذت هيئة المعايير الشرعية -التي تضمُّ كبار العلماء المختصين بالمعاملات المالية- بفسخ الإجارة للأعذار الطارئة والتي منها السفر بسبب الحروب-. جاء في كتاب المعايير الشرعية (1/252) معيار الإجارة: “7/2/1: يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يَحِقُّ لأحدهما فسخُها إلا بالعذر الطارئ، كما يَحِقُّ للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين الـمُخِلِّ بالانتفاع” انتهى.
يقول شيخنا العلَّامة الفقيه وهبة الزحيلي -رحمه الله تعالى- في كتابه “الفقه الإسلامي وأدلته” (4/ 755): “أما فسخ الإجارة بالأعذار، فقد أجازه فقهاء الحنفية كما تقدم، فقالوا: تُفسخ الإجارةُ بالأعذار، لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لأنه لو لزم العقدُ عند تحقُّق العذر للزم صاحبَ العذر ضررٌ لم يلتزمه بالعقد. والعذر: هو كلُّ ما يكون أمراً عارضاً، يتضرر به العاقد في نفسه أو ماله مع بقاء العقد، ولا يندفع بدون الفسخ. قال ابن عابدين: كلُّ عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله يُثبت له حقَّ الفسخ” انتهى.
وعليه: فإذا أغلقت المدرسة أبوابها بسبب الحرب، وهو عذر طارئ، وتعذَّر حصول المنفعة المقصود بالإجارة في حقِّ الطالب، أو سافر وليُّ الطالب مع أهله وأولاده بسبب الحرب -لأنه يلحقه ضرر في نفسه وماله ببقائه في البلد-، ولم يستطع تحصيلَ منفعةِ التعليم من المدرسة بسبب الحرب، أو لم يحصل على المنفعة عن طريق التعليم عن بعد -أونلاين- (لأنه صار عُرفاً في حالة تعذُّر الحضور بسبب الحرب ونحوه) سواء كان في بلد المدرسة، أم اضطر للسفر بسبب الحرب، جاز فسخُ العقد من جهة وليِّ الطالب، وتستحق المدرسة أُجرة ما انتفع به الطالب في المدة التي حضر فيها إلى المدرسة، وكذلك تستحق المدرسة ما دفعته من مال لمصلحة الطالب. ويجب على المدرسة ردُّ المال الذي زاد على ما هو حقها لوليِّ الطالب. وأما إذا لم يكن ثمَّة عذر طارئ، أو توفَّر التعليم عن بُعد -أونلاين- فللمدرسة أن تمتنع من فسخ العقد، وأن تُطالب وليَّ الطالب ببقية القسط؛ سواء حضر، أو لم يحضر؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “المسلمون عند شروطهم“. رواه الحاكم وأبو داود بسند صحيح. والله تعالى أعلم.