هل يجوز السماح لشركة خمر مستقلة بفتح قسم خاص بهم في المطعم لديَّ؟
فتوى رقم 4828 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد فتح مشروع مطعم في لندن، وأخبرني أحد الأصدقاء أنني لا يمكنني فتح مطعم إذا لم يكن يقدِّم خمراً. السؤال: هل يجوز السماح لشركة خمر مستقلة بفتح قسم خاص بهم في هذا المطعم؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بدايةً، فإن حرمة الخمر معلومة: بيعاً، وشراءً، وتعاطياً، وصناعة، حتى حملها ونقلها، وحتى الإعانة عليها بأي وسيلة حرام، والآية في القرآن الكريم واضحة وبيِّنة وصريحة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة، الآية: 90].
والاجتناب في اللغة أشدُّ من التحريم؛ لأنه يفيد التحريم وزيادة، روى أبو داود وابن ماجه في سننَيْهما عن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ».
ورواه الترمذيُّ في سننه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ“.
قال المباركفوري -رحمه الله- في (تحفة الأحوذي في شرح الترمذي): “قوله صلَّى الله عليه وسلم “وبائعها” أي عاقدها، ولو كان وكيلاً أو دلَّالاً. انتهى.
وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». رواه مسلمٌ في صحيحه .
وروى مسلمٌ أيضاً: “إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟ قَالَ: لَا. فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ سَارَرْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا“.
وأما بالنسبة للاتفاق مع شركة لتبيعَ هي الخمر في المطعم للزبائن فحرام؛ لأنه يدخل تحت مسمَّى الإعانة على المعصية؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: من الآية: 2]. أيضاً الدال على الشرِّ كفاعله، كما أن الدالَّ على الخير كفاعله، ففي صحيح مسلمٍ أنه “جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: مَا عِنْدِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». والإعانة -كما عرفها علماء الشريعة-: “هي المساعدة على الشيء في غير حال الشدَّة من غير عجلة” انتهى من الموسوعة الفقهية الميسرة للفقيه محمد رواس قلعه جي (1/232).
ومفهوم الإعانة على المحرَّم: هي ما تشتمل على كل ما يُعين على الحرام، أي: يُسهم فيه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكلُّ وسيلة مُوصلة إلى محرَّم ومُعِينةٍ عليه تكون محرَّمة قطعًا، للآية التي ذكرناها.
وننبه إلى أن السماح للشركة المذكورة هي إعانة على حرام لذاته، يعني: لعينه -الخمر-
أيضاً: فإن الواجب على المسلم أن بنهى عن المنكر ولا يجوز له السكوت، خاصة عند القدرة على ذلك، لقول الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ) [آل عمرآن: 110] ويقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.
وعليه: يحرم السماح لهذه الشركة ببيع الخمر في المطعم الذي تملكه وأنت مختار غير مكره، فتكون متسبِّباً في بيع الخمر. واعلم أن مَن ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه، فالله يبارك وينمِّي مال مَن تَرَكَ الحرامَ لأجله تعالى. والله أعلم.