هل يجوز إهداء ثواب الأعمال الصالحة للأحياء والأموات، وهل يمكن التصدُّق عن الوالد النُّصَيْرِي؟
فتوى رقم 4690 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل يمكن التصدُّق عن أموات المسلمين عامَّة؟ وهل يمكن التصدُّق على أحياء المسلمين عامَّة؟ وهل يمكن التضحية عن أمَّة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن الأهل؟ وهل يمكن التصدُّق عن الوالد النُّصَيْرِي إذا كان لا يصلِّي؛ لكنه يؤمن بالله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم إيماناً مبدئيًّا، بارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإنَّ العمل الصالح يدخل تحته أعمال كثيرة، وثمة اختلاف بين أهل العلم في صحة ذلك مطلقاً، أو صحته في أعمالٍ دون أعمال، وأيضاً فإنَّ إهداء هذه الأعمال الصالحة (للأحياء والأموات) فيه تفصيل عند أهل العلم، فقد جاء في “الموسوعة الفقهية” (16/45): “وَمَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى -النوافل- أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَل ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الأْمْوَاتِ وَالأْحْيَاءِ جَازَ، وَيَصِل ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، واستثنى مالكٌ والشافعيُّ العباداتِ البدنيةَ المحضة؛ كالصلاة والتلاوة، فلا يَصِلُ ثوابُها إلى الميت عندهما. ومقتضى تحرير المتأخِّرين من الشافعية انتفاعُ الميت بالقراءة -أي القرآن الكريم- لا حصول ثوابها له”. انتهى. وجاء في الدُّرِّ المختار وحاشيته لابن عابدين الحنفيِّ -رحمه الله تعالى- (2/ 236): “مَن أتى بعبادةٍ ما فله أن يجعلَ ثواب عمله لغيره؛ سواء كانت صلاة، أو صوماً، أو صدقة، أو قراءة، أو ذكراً، أو طوافاً، أو حجًّا، أو عمرة أو غير ذلك… وجميع أعمال البِرِّ… وعن “التتارخانية” عن “المحيط”: “الأفضل لمن يتصدَّق نفلاً أن ينويَ لجميع المؤمنين والمؤمنات أنها تصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء” ونصَّ أيضاً: “قوله (له جَعْلُ ثوابِها لغيره)، أي: من الأحياء والأموات”. انتهى بتصرُّف يسير. وجاء في “مواهب الجليل” للحطَّاب الرُّعَيني المالكيِّ -رحمه الله تعالى- (2/ 543): “قال في “التوضيح”: وإنما كانت هذه الأشياء كالصدقة والدعاء والإهداء عنه أَولى؛ لوصولها إلى الميت من غير خلاف، بخلاف الحج. انتهى. وقال الشارح في الكبير: والدعاء جارٍ مجرى الصدقة”. انتهى. وجاء في كتاب “المبدع في شرح المقنع” للفقيه ابن مفلح الحنبليِّ -رحمه الله تعالى- (2/ 281): “قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كلِّ مصر، ويقرؤون، ويُهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً، وكالدعاء والاستغفار”. انتهى. وقال الخطيب الشربينيُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه: “مغني المحتاج” (4/ 111): “قال ابن الصلاح: وينبغي أن يقول: اللهم أَوْصِلْ ثوابَ ما قرأنا لفلان فيجعله دعاءً، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد، وينبغي الجزمُ بنفع هذا؛ لأنه إذا نفع الدعاءُ وجاز بما ليس للداعي، فلَأَن يجوز بما له أَولى، وهذا لا يختصُّ بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال”. انتهى. يعني إذا اقترن العمل الصالح بالدعاء للأموات والأحياء، فهو يصل اتفاقاً، فإن الدعاء ينفع الحيَّ والميت إجماعاً.
وعليه: فلا مانعَ من إهداء ثواب الأعمال الصالحة للأحياء والأموات ولكلِّ المسلمين من غير تعيين.
وأما بالنسبة للتصدُّق عن النُّصَيْرِي: بدايةً، فإنَّ الأصل في النُصيرية -الذين يُسمَّون بالعَلَوِيَّة- أنهم من الفِرق الباطنية الذين يُظهرون خلاف ما يُبطنون، وقد نصَّ كثير من أهل العلم على أنهم غير مسلمين. انظر حاشية ابن عابدين (3/297و298). والـمِلل والنِّحَل للعلَّامة الشَّهْرَسْتاني (1/189) وإذا كان الوالد يؤمن بالله تعالى وبرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم مبدئيًّا -كما في السؤال- ولا يُنكر ما ورد في القرآن الكريم ولا ما هو ثابت في السُّنَّة النبويَّة المطهَّرة، فإنه حينئذٍ لا يُعتبر نُصيريًّا بل هو مسلم، والتصدُّق عنه تقدَّم حكمه بالجواز في الإجابة عن السؤال الأول.
وأما بالنسبة إلى إهداء ثواب الصدقة أو غيرها من الأعمال الصالحة للنُّصيري -الذي نصَّ على تعريفه أهل العلم في كتبهم- فإنها لا تنفعه في الآخرة؛ فالنفع فقط في حقِّه -أي الكافر- دنيوي، لحديث مسلمٍ في صحيحه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بها في الدُّنْيا ويُجْزَى بها في الآخِرَةِ، وأَمَّا الكافِرُ فيُطْعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها لِلَّهِ في الدُّنْيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ له حَسَنَةٌ يُجْزَى بها”. وقد نصَّ كثير من أهل العلم على ذلك، لقول الله تعالى:( وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ]سورة المائدة الآية: 5]. قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا). [سورة الفرقان الآية : 23 [.
وعليه: فلا يُهدى لكافر بعد موته شيءٌ من الأعمال الصالحة. والله تعالى أعلم.