حكم المال الـمُكتسَب عن طريق القمار بعد التوبة هل يمكن استعماله؟
فتوى رقم 4580 السؤال : السلام عليكم، شخص كسب مبلغاً من القمار، وتاب إلى الله مِن لَعِبِ القمار؛ لكنْ هو الآن بحاجة إلى هذا المبلغ، هل يُعَدُّ هذا المال حلالاً بعد التوبة، ويمكنه أن ينتفع به دون حرجٍ في ذلك؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بداية، فإن المال الـمُكتسَب عن طريق القمار مالٌ خبيث –حرام- وهذا بإجماع العلماء؛ لورود النصوص الشرعية القطعية في ذلك. ومعلوم أن المال الحرام يجب التخلُّص منه، والتخلُّص منه إنما يكون بصرفه في مصالح المسلمين، ولا يحِلّ للشخص الذي اكتسبه أن ينتفعَ به إلا بشروط.
وقد نصَّ الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “المجموع” (9/351) على ذلك فقال: “قال الغزاليُّ: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإنْ كان له مالك معيَّن، وجب صرفُه إليه، أو إلى وكيله، فإن كان ميتاً وجب دفعُه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفَه في مصالح المسلمين العامَّة؛ كالقناطر والرُّبَط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدَّق به على فقير أو فقراء… وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراماً على الفقير، بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدَّق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أَوْلى مَن يتصدَّق عليه، وله هو أن يأخذ منه قَدْرَ حاجته؛ لأنه أيضاً فقير. وهذا الذي قاله الغزاليُّ في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه، نقله الغزالي أيضًا عن معاويةَ بنِ أبي سفيانَ وغيرِه من السلف، عن أحمدَ بن حنبلٍ والحارثِ المحاسبيِّ وغيرِهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميُه في البحر، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم”. انتهى.
وعليه: فالمطلوب أن يتوب إلى الله تعالى، وتتحقَّق التوبة: بالندم، والعزم على عدم العودة إلى الحرام، والإقلاع عنه، وردِّ المظالم إلى أهلها. فالمال الحرامُ الأصلُ فيه أن يُعاد إلى أصحابه، فإنْ تعذَّر، فإنه يُصرَف في مصالح المسلمين، ولا مانعَ من التصدُّق به على الفقراء، وإذا كان هو فقيراً وبحاجة لهذا المال أو إلى جزء منه؛ فيمكنه ذلك لكنْ ليس على الإطلاق؛ فالحاجة تقدر بقدرها ، يعني إذا كان بحاجة لدواء أو طعام أو أجرة حالَّةٍ الآن لمسكن، أو دَيْن حالٍّ، يعني: مُطالَبٍ به الآن، ويعجز عن الإيفاء به لعدم قدرته المالية، وعدم توافر مَن يُعينه على قضائه، بحيث لا ينتظر عليه صاحب الدَّيْن المستحق. فإن توافرت هذه الشروط جاز، وإلا فلا يَحِلُّ أخذُه منه. والله تعالى أعلم.