المرأة التي تتزوج وهي حامل من الزنا، هل نكاحها صحيح؟ وهل في هذا الأمر للزوج أن يطلِّق زوجته، أم يفارقها؟!
فتوى رقم 4526 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، المرأة التي تتزوج وهي حامل من الزنا، هل نكاحها صحيح؟ وهل في هذا الأمر للزوج أن يطلِّق زوجته، أم يفارقها؟!
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
قبل أن نجيب عن هذا السؤال، فإنه ينبغي للسائل أن يسأل عن حكم الزواج من الزانية؟ فإن لم تكن قد تابت وحَسُنَتْ توبتُها، فيَحرم الزواجُ منها، مع صحة العقد إن استوفى شروطه، قال الله تعالى : (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [سورة النور آية: 3]
وروى الإمام أحمدُ في مسنده عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ثلاثة حرَّم الله عليهم الجنة: مُدمن الخمر، والعاقُّ، والدَّيُّوثُ الذي يُقِرُّ في أهله الـخَبَث». وروى أبو داودُ في سننه عن عمَّارِ بن ياسرٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يدخل الجنة ديُّوث». والأصل أن يبحث عن امرأة أخرى ذات خُلق ودين، فهذه وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ففي الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “تُنكح المرأة لأربع :لمالها، ولحَسَبِها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تَرِبَتْ يداك” فأمر صلَّى الله عليه وسلم بالظَّفَر بذات الدِّين، فالدِّينُ -كما يقول شيخنا الفقيه الدكتور أحمد الحجِّي الكرديُّ حفظه الله تعالى-: هو العنصُر الأساس في اختيار الزَّوجة، ذلك أنَّ الزَّوجة سكنٌ لزوجها، وحرثٌ له، وهي مهوى فؤاده، وربَّةُ بيته، وأمُّ أولاده.. عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم، فإن لم تكن على قَدْرٍ عظيمٍ من الدِّين والخُلُق؛ فشِل الزَّوج في تكوين أسرةٍ مسلمةٍ صالحة. أمَّا إذا كانت ذاتَ خُلقٍ ودين كانت أمينةً على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفةً في نفسها ولسانها، حسنة لعِشرة زوجها، فضمنَتْ له سعادته، ولأولاده تربيةً فاضلة، وللأسرةِ شرفَها وسمعتَها، فاللائقُ بذي المروءة والرأي أن يجعل ذواتِ الدِّينِ مطمحَ النَّظر وغايةَ البُغية؛ لأنَّ جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْقِ، وغِنَى النَّفس أَولى من غنى المال وأنفس، والعبرةُ في الخصال لا الأشكال، وفي الخِلال لا الأموال..فالمرأة الصَّالحة صاحبة الدِّين والخُلق تعرف واجباتها؛ فتحفظ زوجها وأولادها، ولا تبذِّر المال، ولا تترك البيت الزَّوجي يسير على الضَّلال، انطلاقاً من الخوف من ربِّها سبحانه. ويذكر الإمام الغزاليُّ -رحمه الله- مضارَّ اختيار الزَّوجة غير متديِّنة فقال: إن كانت ضعيفة الدِّين في صيانة نفسها وفَرْجِها أَزْرَتْ بزوجها، وسوَّدت بين النَّاس وجهه، وشوَّشت بالغَيرة قلبَه، وتنغَّص بذلك عيشُه، فإنْ سلك سبيل الحَمِيَّة والغَيرة لم يَزَلْ في بلاءٍ ومحنةٍ، وإن سلك سبيل التَّساهل كان متهاوناً بدينه وعِرضِه ومنسوباً إلى قلة الحَمِيَّة والأَنَفَة. وإذا كانت -مع الفساد- جميلةً كان بلاؤها أشدّ؛ إذ يَشُقُّ على الزَّوج مفارقتَها؛ فلا يصبر عنها، ولا يصبر عليها. وإن كانت فاسدة الدِّين باستهلاك ماله -أو بوجه آخرَ- لم يَزَلِ العيشُ مشوَّشاً معه، فإن سكت ولم يُنكره كان شريكاً في المعصية مخالفاً لقوله تعالى: (قُوا أنفسكم وأهليكم نارًا) [سورة التحريم الآية: 6]، وإن أنكر وخاصم تنغَّص العمُر، ولهذا بالغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في التَّحريض على ذات الدِّين؛ لأنَّ مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدِّين؛ فأمّا إذا لم تكن متديِّنة كانت شاغلةً عن الدِّين ومشوِّشة له. انتهى.
وأما بالنسبة لسؤالك المتعلِّق بصحَّة هذا النكاح، فما عليه الحنفية والشافعية هو صحة الزواج؛ سواء كان هو الذي زنى بها أو غيره، فإن كانت حاملاً من الزنى من الرجل الذي يريد الزواج منها، فالأفضل أن لا يَقْرَبَها حتى تضع، وأما إذا لم يكن الحَمْلُ منه، فيَحْرُم أنْ يُعاشرَها حتى تضع، كما في ردِّ المحتار على الدرِّ المختار للفقيه ابن عابدين الحنفي رحمه الله تعالى (2/291و292)؛ لحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا تُوطأ حاملٌ حتى تضع“. رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا يّحِلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يَسْقِيَ ماءَه زرعَ غيره“. رواه أحمدُ في مسنده، وأبو داود.
وعليه: فإن كانت تلك المرأة الزانية حاملاً مِنْ غيره، فلا يَحِلُّ له وطؤها حتى تَضَع، وإلا بأن ْكان الحمل منه قبل العقد عليها، جاز وطؤها، وهذا هو المنصوص عليه عند الحنفية. والله تعالى أعلم.