أعمل طبيب، جاءني مريض، وطلبت شركة التأمين -لديه- مني توضيحاً إذا ما كان لديه أمراض مزمنة من قبل، وهو فعليا كان لديه -أمراض مزمنة سابقاً- هل يجوز أن أكذب على شركة التأمين وأقول لا؟
فتوى رقم 4483 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جاءني مريض مصري لديه التهاب أمعاء مزمن، وهو بحاجة الآن إلى فتح ملف جديد -هنا في السعودية- ومتابعة علاجه وتحاليله. ولكن لو علمَتْ شركةُ التأمين أن لديه هذا المرض من قبلُ فسترفض. وعندما رفعنا له تقريراً يفيد أنه بحاجة إلى تحاليلَ بسبب أن لديه دم بالبراز طلبت شركة التأمين مني توضيحاً إذا ما كان لديه أمراض مزمنة أو لا. فإذا قلت: لا، سأكون كاذباً، وإذا قلت لا، فذلك سينعكس ضرراً على المريض؛ حيثُ إن شركة التأمين لن تغطيَ نفقة تحاليله وعلاجه، فهل تجوز التورية في هذه الحالة؟ فالمريض بالبداية قال لي: إنه ليست لديه أمراض مزمنة ثم اعترف، فأنا لو كتبت في التقرير أن المريض قال: إنه ليست لديه أمراض مزمنة (يعني بهدف التورية دون الكذب الصريح)، فهل هذا جائز؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
الأصل في تعامل المسلم مع الآخرين أن يكون صادقاً أميناً لا يكذب ولا يخون ولا يغشّ، فهذه الشركة اشترطت على المسجَّلين لديها أن لا يكون لديهم مرض مزمن قبل إجراء عقد التأمين، وهذا يُعرف من خلال التقرير الطبي للمريض عندما يدخل المشفى أو يعاينه الطبيب، وبما أنه ثبت بأنه يعاني مرضاً مزمناً، خاصة إذا كان طلب هذه التحاليل ناتجاً عن المرض المزمن، فلا يَحِلُّ حينئذ الكذب وإعطاؤه تقريراً مغايراً للواقع، ولا تُعتبر هذه الحالة مدعاةً للكذب وللشهادة الزور وأكل أموال الناس بالباطل. قال الله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [سورة الحج الآية:30]. وقال سبحانه: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [سورة البقرة الآية 188]،وروى مسلمٌ في صحيحه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “ألا أُنَبِّئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدَيْن، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكرِّرها حتى قلنا: ليته سكت“. يعني: ما زال يكرّر التحذير من شهادة الزور، حتى قال الصحابة رضي الله عنهم: “ليته سكت“، يعني: خشيةً على رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما رأَوْا غضبه.فأصل الزُّور: تزيين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيَّل إلى مَن سمعه أو رآه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق، وقد يُضاف إلى القول، فيشمل الكذب والباطل.
وعليه: فلا يَحِلُّ هذا الفعل، وبالإمكان أن يُعطى من مال الزكاة. والله تعالى أعلم.