في وقتنا الحاضر لم تعد المرأه بحاجه إلى المهر لنزولها إلى ميدان العمل، فهل نأثم إذا عقدنا عقد الزواج من دون مهر؟
فتوى رقم 4411 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تمرُّ البلاد ويمرُّ العباد بمرحلة صعبة وعصيبة وحرجة، على صعيد العالم عامة والأمة الإسلامية خاصة من الفسق والفجور وانحلال الأخلاق والبعد عن الدِّين، وغير ذلك من الأمور حدِّث ولا حرج، فلم يَعُدْ ثمَّة ميزان وتطبيق للشرع لوضع الأمور في نصابها. وضع الشرع للمرأة المهر لتتقوى به على تجهيز نفسها قبل الزواج والاستعانه به بعد طلاقها، إذ لم تكن تعمل سابقاً، أما في وقتنا الحاضر فلم تعد المرأه بحاجه إليه لنزولها إلى ميدان العمل، فهل نأثم إذا عقدنا عقد الزواج من دون مهر؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
المهر لا علاقةَ له بمسألة استعانة المرأة به على شراء ما تتجهَّز به، أو لتستعين به في الإنفاق بعد طلاقها، فإنَّ هذا المفهوم لم يَرِدْ به الشرع، ولا يوجد نصٌّ يشير إلى ذلك، بل الوارد في القرآن الكريم أن المهر عطية من الزوج ليدرك أنه يجب عليه الإنفاق على زوجته، ولإشعارها بقدرته على النفقة عليها، لذا إذا لم يستطع الزوج دفع المهر لزوجته قبل الدخول بها، فكيف يمكنه أن يتحمل مسؤولية الإنفاق عليها، قال الله تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) [سورة النساء الآية: 4].
وقد جاءت الشريعة بالترغيب في خفض المهور لتيسير الزواج، يقول النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير النِّكاح أيسرُه». رواه ابن حِبّانَ في صحيحه. وأما بالنسبة لحكم عقد النكاح دون ذكر المهر أو التنصيص عليه، فلا يؤثر ذلك في صحة العقد، فذكر المهر ليس من أركان العقد، ويصير مهرها في هذه الحالة مهر مثيلاتها كأختها وأمِّها…، قال العلَّامة ابن قدامةَ المقدسيُّ ـــ رحمه الله تعالى ـــ في “المغني” (7/182): “النكاح يَصِحُّ من غير تسمية صَداق، في قول عامَّة أهل العلم. وقد دلَّ على هذا قول الله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) [سورة البقرة، الآية 236]، وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صَداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صَداق نسائها، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وعليها العِدَّة، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعيُّ رضي الله عنه فقال : “قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ، امرأةٍ منا مِثْلَ ما قضيتَ” أخرجه أبو داودَ والترمذيُّ، وقال: حديث حسن صحيح” انتهى .
وعليه: فإنَّ عدم ذكر المهر لا يؤثِّر في صحة عقد النكاح، وحقُّ الزوجة في المهر قائم وهو مهر المثل، فإنّ تنازلت عنه بعد ذلك جاز. والله تعالى أعلم.