هل يجوز العمل مع مستثمر فتح مشروعه بقرض ربوي؟ وآخذ 50% نسبة أرباح مقابل عملي وخبرتي؟
فتوى رقم 4381 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله، أريد الدخول في مشروع شراكة مع مستثمر سعودي. ونوع المشروع: إنشاء ورشة تصنِّع تجهيزات معامل غذائية ((خطوط إنتاج) المكان:جمهورية مصر العربية، مصدر رأس المال قرض من بنك سعودي بقيمة ١٥٠ ألف ريال، على أن يتمَّ سداد القرض خلال خمس سنوات بدفعة شهرية ٥٠٠٠ ريال، وبذلك يكون سداد القرض بقيمة ٣٠٠ ألف ريال)) المطلوب: هل مصدر المال حلال أم حرام؟ علماً أنني شريك معه بخبرتي في العمل ولم أدفع أيَّ مبلغ من المال، وأنه سيتمُّ كَتْبُ العقد بنسة ٥٠/٥٠، فهل هذا المشروع حلال أم حرام؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإنَّ القرض الذي سيقترضه المستثمر صاحب المال من البنك هو قرض ربوي، وهو حرام بنصِّ الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمَّة، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [سورة البقرة الآية:279].
ومن السُّنَّة ما أخرجه أهل السُّنن وغيرُهم عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «ألا وإن كلَّ رِبًا في الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، وأول رِباً موضوع رِبا العباس». وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعن آكل الرِّبا، ومؤكلَه، وشاهدَيْه، وكاتبَه»؛ رواه الخمسة، غير أن لفظ النَّسائيِّ: «آكل الربا، ومؤكله، وشاهدَيْه، وكاتبه، إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم يوم القيامة». وأجمع المسلمون على حرمة القرض الربوي. وأما قبولك أنت بالموافقة فهو إعانة له على هذا القرض الـمُحرَّم، والإعانة على المعصية معصية، قال الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) [سورة المائدة الآية:2].
وقد نصَّ الإمام النوويُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ـــ في “شرحه على صحيح مسلم” (11/26) على حرمة الإعانة على العقد الربويِّ فقال : “هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيَيْن، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل” انتهى. واعلم أن الإعانة المحرَّمة في هذه المعاملة تكمن في أن المستثمر يريد أن يقترض بالربا، بناء على الاتفاق الحاصل بينك وبينه، بينما الواجب عليك من الناحية الشرعية نُصحه، وتذكيره، وتنبيهه على حُرمة الاقتراض بالربا، وتبيان أضرار ذلك عليه في الدنيا والآخرة. وأمَّا لو كان المستثمر مقترضاً للمال بالربا قبل الاتفاق معك، ثم جرى الاتفاق على أن تعمل عنده، بحيث تَبْذل أنت الجهد ــ ويكون لك أجرة هي نسبة من الربح ـــ، ففي هذه الحالة لا حرج في العمل عنده؛ لأنه لا علاقة لك بالاقتراض ولم تكن مُعِيناً له عليه، لكن المطلوب منك النُّصح له، بأن يتوب مما فعله من الاقتراض بالربا، وأن لا يقترض بعد ذلك.
وأما بالنسبة للعمل ذاتِه بأن تكون الأجرة نسبة من الربح، فهذا لا مانعَ منه عند فقهاء الحنابلة، خلافاً لجمهور أهل العلم، فقد نصَّ الفقيه منصور البهوتيُّ الحنبليُّ ــ رحمه الله ــ في كتابه ” كشَّاف القناع عن متن الإقناع ” (3/615) على أنه: “لو دفع عبده، أو دفع دابته إلى مَن يعمل بها بجزء من الأجرة جاز، أو دفع ثوباً إلى مَن يخيطه، أو دفع غزلاً إلى مَن ينسجه بجزء من ربحه جاز”. انتهى. وقال العلَّامة ابن قدامة المقدسيُّ الحنبليُّ ــ رحمه الله تعالى ــ في كتابه: ” المغني” (5/118): “وإنْ دَفَعَ ثوبَه إلى خياط ليفصِّله قمصاناً يبيعها، وله نصف ربحها بحقِّ عمله، جاز، نصَّ عليه في رواية حرب، وإن دفع غَزْلاً إلى رجل ينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز”.انتهى.
وعليه: فإن كانت استدانة المستثمر بقرض ربويٍ بعد الاتفاق، لأجل العمل معك، فهذا الاقتراض الربويِّ محرَّم، وأنت تُعِينه على الحرام. وأما إن كان هو في الأصل اقترض بالربا، ثم قرر أن يتفق معك على العمل، فلا مانع؛ لأن حرمة القرض الربويِّ ليست لِعَيْنِهِ، وإنما هي في ذمَّة المقترض فقط، فالواجب عليه ــ المقترض ـــ إعادته دون زيادة، والزيادة هي المحرَّمة لِعَيْنِها والتي يأخذها البنك، وبقيت حرمة الاقتراض في ذمَّة المقترض ما لم يَتُب. والله تعالى أعلم.