حكم سفر المرأة دون محرم
الفتوى رقم 4089 السؤال: السلام عليكم، ما حكم سفر المرأة دون محرم؟ ولديّ مشكلة مع ابنتي، حيث إنها تحلف كثيرًا، ولا ندري كيف نتعامل معها؟
الجواب، وبالله تعالى التوفق:
بالنسبة للسؤال الأول: الأصل أن سفر المرأة بدون محرم أو زوج لا يجوز، وهذا ما اتفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة، إلا ما استثناه بعض العلماء في حالات خاصة؛ لحديث البخاريِّ في صحيحه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا”. وحديث مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَم”.
قال الإمام النوويُّ -رحمه الله- في شرحه للحديث: “فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم”. انتهى. وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ -رحمه الله- في كتابه “فتح الباري”(4/76) اتفاقَ الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة، فقال: “قال البغويُّ: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلَّصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبَها حتى يبلِّغَها الرِّفقة”. انتهى.
وأما بالنسبة لما ذُكِر في التسجيل المرفق لأحد أهل العلم، فهو قول موجود لبعض العلماء، خاصة فيما يتعلق بسفر المرأة في الطائرة إن كان المحرم ينتظرها في المطار، لكن نحن نفتي بقول جمهور أهل العلم وهو المنع من السفر إلا مع محرم أو زوج، خاصة أن السفر المذكور ليس ضرورة أو حاجة مُلِحّة.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني: وهو كثرة حلف ابنتكم التي بلغت حديثاً وأن هذا الحلف صار عادة لديها. بداية، فليس كلُّ يمين تكون منعقدة؛ فاليمين حتى تنعقد لا بد من توافر شروط لانعقادها؛ منها: أن لا تكون يمين لغو، كما يقوله الكثير من الناس: لا والله، وبلى والله. وربما تكون ابنتكم تفعل ذلك يعني الحلف عادة دارجة على لسانها بدون قصد تحقيق أمر أو توثيقه، قال الله تعالى في [سورة المائدة الآية: 89]: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان…). روى البخاريُّ في صحيحه عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: ” (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) أنزلت في قوله: لا والله، بلى والله”. ومن شروط انعقاد اليمين: أن يُقسم باسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، أو بالقرآن الكريم.
وعليه: فإن لم يكن الحلف مستوفيًا للشروط، فهي يمين لغو، وإلا بأن استوفت الشروط المذكورة فهي يمين، فإن حصل الـحِنْثُ باليمين فقد وجبت الكفَّارة عليها ومن مالها بما تتذكر من الأَيمان، والكفَّارة هي كما قال تعالى في [سورة المائدة الآية: 89]: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وهي تجب إذا حنث -أي خالف، أو نكث، أو لم يعمل، أو كذب- المقسِم بيمينه، وهي بدايةً مُخيَّرة بين: عتق رقبة مؤمنة -وهذا غير متوافر اليوم- أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين وجبة مشبعة، أو كسوتهم بما يُعَدُّ كسوة في عرف الناس، فإن لم يستطع واحدة مما ذكر فيجب عليه صيام ثلاثة أيام، ولا تُشترط الموالاة -التتابع- بينها.
وأما دفع قيمة الكفَّارة نقدًا، فقد أجازها السادة الأحناف خلافًا لجمهور العلماء، والأفضلية في ذلك متوقِّفة على حاجة الفقير؛ فإن كان النقد -العملة الورقية- يحقِّق المصلحة له، فالأفضل حينئذ النقد. والله تعالى أعلم. تنبيه: ينبغي تذكيرها باستمرار بعدم الحلف إلا إن كان الأمر يحتاج إلى حلف، فالله تعالى قال: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة اليقرة الآية: 224].