كنت أستمع لفوائدَ ليلةِ النصف من شعبان، وسمعت أن الإنسان الـمُشاحن أو الذي لديه حقد، ربُّه لا يستمع لدعائه

الفتوى رقم 3330 السؤال: السلام عليكم، كنت أستمع لفوائدَ ليلةِ النصف من شعبان، وسمعت أن الإنسان الـمُشاحن أو الذي لديه حقد، ربُّه لا يستمع لدعائه، ولكنْ أحيانًا يواجه الإنسان من بعض الناس معاملة سيئة أو خيانة فيُجرح من هؤلاء الناس ويظلّ في قلبه هذا الجرح ولكن ليس حقدًا بل ألمًا وحزنًا مما أصابه فيشتكي إلى ربِّه بدون أن يدعوَ على هذا الشخص، فهل هذا يُسمَّى حقدًا؟ فيحرمه الله من إجابة الدعاء حتى في صحة؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

الحديث واضح في هذه المسألة كما في رواية الطبراني في معجمه وغيره عن عن أبي ثعلبةَ الـخُشَنيّ رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: “إذا كان ليلة النصف من شعبانَ اطَّلَعَ الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويُملي للكافرين، ويَدَع أهل الحقد بحقدهم حتى يَدَعوه”. وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ﷺ قال: “إنَّ اللهَ تعالى لَيطَّلِعُ في ليلةِ النصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلْقِه، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ”. رواه ابن ماجه في سننه.

فالمطلوب من المسلم الراغب في عفو الله ومغفرته في تلك الليلة المباركة أن يعفوَ عمَّن ظلمه من المسلمين، ويرجو لهم الهداية، وأن يردُّوا له مَظْلَمَته، فلا يحقد عليهم بل يكون صدره سليماً تجاه أيِّ مسلم، بأن لا يكون في قلبه بغض أو حقد أو حسد، وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم عن وصف المؤمنين بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [سورة الحشر الآية:10]. وحديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاريُّ في صحيحه، قال ﷺ: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوق ثلاثة أيام”.

وروى ابن ماجه في سننه أن رسول الله ﷺ: “سُئِلَ عن أفضل الناس، فقال: كلُّ مخْمُومِ القلب صَدُوقِ اللسان”. قالوا: صَدُوقُ اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: “التقيُّ النقيُّ الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلّ ولا حسد”.

واعلم أنّ الشكاية إلى الله تعالى هي من تمام عبودية العبد وتوكُّله وفقره وحاجته إلى الله، وقد أخبرنا الله عن سيِّدنا يعقوبَ عندما قال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) [سورة يوسف الآية: 86]، وَكَذَلِكَ سيِّدنا أَيُّوبُ، كما أَخْبَرَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ في القرآن الكريم: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [سورة الأنبياء الآية: 83]. فهذه الشكاية لا علاقة لها بالحقد والبغض. وأما طلب الصحة والعافية من الله تعالى فلا علاقة له بالمغفرة؛ ففي تلك الليلة المباركة يغفر الله “لجميعِ خلْقِه، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ”. فالمقصود هو طلب المغفرة، وأما الصحة فيعطيها الله للمسلم ولغير المسلم، وأما المغفرة فلا تكون إلا للمسلم.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *