ما معنى الموادّة المنهيِّ عنها؟ وما الفرق بينها وبين المودَّة؟ وكيف نطبِّق هذه الآية على الابن أو الابنة الشابَّيْن إن اختارا طريق الإلحاد مسلكًا؟ وكيف يجب أن يكون موقف الأهل منهما؟

الفتوى رقم 3199 السؤال: السلام عليكم، ما المقصود من هذه الآية: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة الآية: 22]، ما معنى الموادّة المنهيِّ عنها؟ وما الفرق بينها وبين المودَّة؟ وكيف نطبِّق هذه الآية على الابن أو الابنة الشابَّيْن إن اختارا طريق الإلحاد مسلكًا؟ وكيف يجب أن يكون موقف الأهل منهما؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة المجادلة الآية: 22]. يقول الإمام القرطبيُّ -رحمه الله تعالى- في تفسيره: “يوادُّون أي: يُحِبُّون ويوالون مَن حادَّ الله ورسوله ﷺ”. انتهى. فالمودَّة: هي المحبَّة والميل القلبي الذي ينعكس على سلوكيَّات الفرد تجاه من يحبُّه، فيحمِلُه ذلك على التشبُّه بأفعاله وأقواله ونهجه في هذه الحياة، ولذلك جاء النهيُ عن المودَّة للكفار: (ولو كانوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أو…). ومعنى (حادّ) كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: “يعني: الذين هم في حدّ، والشرع في حدّ، أي: مُجانِبون للحقِّ مشاقّون له، هم في ناحية والهدى في ناحية”. انتهى.

فالواجب على المسلم الذي منَّ الله تعالى عليه بنعمة الإيمان والتوحيد أن يُبغض الكفر وأهله، فإن كانوا محاربين فعليه أن يعاديَهم بكلِّ ما يستطيع. قال الإمام البغويُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في تفسيره: “إيمان المؤمنين يَفْسُد بموادَّة الكافرين، وأَنَّ مَن كان مؤمنًا لا يوالي مَن كفر، وإن كان من عشيرته”. انتهى.

فإن كانوا مسالمين فيجب بغضهم على كفرهم ومعاداتهم لكفرهم، ولكن من غير أن ينالوا بأذى؛ بل لا مانع من الإحسان إليهم وصِلَتِهم إن كانوا أقارب، وبِرِّهم إن كانوا من الوالدين، كما قال الله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة لقمان الآية: 15].

وبغض الكافرين لا يمنع من أداء الحقوق؛ كحقِّ القرابة، وحقّ الجوار، كما قال ﷺ لما أَنْذر عشيرته وتبرأ منهم، قال ﷺ: “إنَّ لكم رحماً عندي سأبلُّها ببلالها” رواه مسلم في صحيحه. وقال الله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الـمُقْسِطِيْن) [سورة الممتحنة الآية: 8]، وفي حالة رِدَّة الابن كما في السؤال تصبح العداوة -لرِدَّة هذا الابن- واجبة، وهذه العدواة لا تمنع من دعوته للإسلام وإقامة الحجة عليه كي يعود للدِّين ويظهر له بطلان ما هو عليه، وفي الوقت نفسه لا محبَّة له في قلوبنا حتى يرجع إلى الإسلام، والمقاطعة الكاملة إنما تكون بعد إقامة الحجة عليه، وإقامة الحجة إنما تكون ممن عنده علم بالشبهات التي أدَّت بهذا الابن أو الابنة بالردَّة عن الإسلام وبعد ذلك تكون المقاطعة والمفاصلة له.

وعليه: مَن ثبتت رِدَّتُه بيقين، عومل على النحو الآتي:

1- وجوب البراءة مما هو عليه من الرِّدّة.

2- تحريم موالاته ومودَّته ومحبَّته.

3- وجوب نُصحه ودعوته إلى الله تعالى.

4- جواز زيارته والتحدُّث إليه ومجالسته بغرض دعوته والحرص على هدايته، لمن كان أهلًا لذلك.

5- جواز صلته بالهدية ونحوها لتحبيبه في التوبة والهداية.

6- هجره ومقاطعته إذا استمرَّ على ضلاله، خاصة إذا كانت المصلحة في الهجر، لكشف شرِّه، أو لزجر بقية الأهل والأقارب عن اتِّباعه.

وينبغي أن تعلم أن المرتد مبغوض مسخوط عند الله تعالى، ولا تبيح الشريعة بقاءه على رِدَّته، وأنه قد أسقط برِدَّته ما له من الحرمة والحقوق على المسلمين، وأن الدعوة إلى الله تعالى، والحرص على هداية الخلق من أعظم الأعمال وأجمل الخصال، فتكون المعاملة قائمة على هذين الأصلَيْن: بُغْضُ الكافر لدينه، ودعوته ومحاولة إنقاذه من كفره.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *