رجل وزوجته مدفونان بقبر واحد، توفِّي أخوه، فهل يجوز الدفن فوق زوجة أخيه إذا فَنِيَتْ؟
الفتوى رقم 2493 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله، رجل وزوجته مدفونان بقبر واحد، توفِّي أخوه، فهل يجوز الدفن فوق زوجة أخيه إذا فَنِيَتْ؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
الأصل ألَّا يُنبش القبر ويُدفن فوقه أحد، وهذا بالإجماع، إلا إذا كان ثمة حاجة مُلِحَّة كأنْ لم يكن ثمة مكان للدفن. فقد نصَّ جمهور أهل العلم على جواز نبش القبر، والدفن فيه، بشرط أن يَبلى الميت ولا يبقى منه شيء، وأن يأذن أهل صاحب القبر بالدفن فوقه.
قال الفقيه ابن عابدين الحنفي -رحمه الله- في كتابه “ردّ المحتار على الدرّ المختار” (3/138-139): “قال في الفتح: ولا يُحفر قبرٌ لدفن آخر إلا إِنْ بَلِيَ الأولُ فلم يبقَ له عظم إلا أنْ لا يوجد، فَتُضَمُّ عظام الأول ويُجعل بينهما حاجز من تراب. اهـ.
قال الزيلعي: ولو بَلِيَ الميت وصار تراباً، جاز دفن غيره في قبره… قال في الإمداد: ويخالفه ما في التتارخانية: إذا صار الميت تراباً في القبر يُكره دفنُ غيره في قبره، لأنَّ الـحُرمة باقية… قلت -القائل ابن عابدين-: لكن في هذا مشقّة عظيمة، فالأَولى إناطة الجواز بالبِلَى؛ إذ لا يمكن أن يُعَدَّ لكلِّ ميت قبر لا يُدفن فيه غيره، وإن صار الأول تراباً، لا سيما في الأمصار الكبيرة الجامعة، وإلا لزم أن تَعُمَّ القبورُ السهل والوعر، على أنّ المنع من الحفر إلى أن لا يبقى عظم عَسِرٌ جداً، وإن أمكن ذلك لبعض الناس لكن الكلام في جعله حكماً عامّاً لكلِّ أحد، فتأمَّل”. انتهى.
وقال العلّامة بدر الدين العينُّي الحنفيُّ -رحمه الله- في كتابه “البناية في شرح الهداية” (3/295): “ولو بَلِيَ الميتُ وصار تراباً يجوز دفن غيره في قبره…”. انتهى.
وقال الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “المجموع شرح المهذَّب” (5/273): “وأما نبش القبر فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعية كنحو ما سبق، ومختصره أنه يجوز نبش القبر إذا بَلِيَ الميتُ وصار تراباً، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه،…باتفاق الأصحاب،… وهذا كلُّه إذا لم يبقَ للميت أثر من عظم ولا غيره، قال أصحابنا -رحمهم الله-: ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض، ويُعتمد فيه قولُ أهل الخبرة بها”. انتهى.
قال الهيتميُّ في “تحفة المحتاج” (3/173): “وَيَحْرُمُ إدْخَالُ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَا -يعني في الجنس- قَبْلَ بِلَى جَمِيعِهِ… ومحلُّ تحريمه: عند عدم الضرورة، وأما عندها فيجوز كما في الابتداء”. يعني: كما يجوز أن يدفن اثنان معاً في ابتداء الدفن للضرورة”. انتهى.
وفي “الفتاوى الفقهية الكبرى” له أيضاً (2/14): “حيث حُفر قبرٌ؛ إما تعدِّيًا، وإما مع ظنّ أنه بَلِيَ ولم يبق فيه عظم فوجد فيه عظم، رُدَّ التراب عليه وجوبًا، ولا يجوز الدفن فيه قبل البِلَى”. انتهى.
وقال الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه “روضة الطالبين” (2/140): “لا يجوز نبش القبر إلا في مواضع؛ منها: أن يَبْلَى الميت ويصير تراباً، فيجوز نبشه ودفن غيره فيه، ويُرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض…”. انتهى.
وقال الفقيه المرداويُّ الحنبليُّ -رحمه الله- في كتابه “الإنصاف”: “متى عُلم أن الميت صار تراباً، قال في الفروع: ومرادهم ظُنَّ أنه صار تراباً، ولهذا ذكر غير واحد يُعمل بقول أهل الخبرة، فالصحيح من المذهب أنه يجوز دفن غيره فيه،…” انتهى.
بناء عليه: فلا مانع من الدفن المذكور بشرط أن يَبْلَى الميتُ، وكان ثمة حاجة مُلِحَّة، وبرضى أهل الميت صاحب القبر.
والله تعالى أعلم.