هل الآية: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) الآية، هل هي مخصوصة بالكافر؟

الفتوى رقم 2082 السؤال: هل الآية: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) الآية، هل هي مخصوصة بالكافر؟ أم أنها تنسحب على المسلم الذي لا يصلِّي؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

فقد ورد في السُّنَّة النبويَّة الصحيحة ما يُوضح المقصود من الخطاب والمأمور بالسجود؛ ففي صحيح البخاريِّ من أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه، قال: سمعت النبيَّ ﷺ يقول: “يكشف ربُنا عن ساقه فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة، فيبقى كلُّ مَن كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا”. وفي رواية مسلم الحديث بتمامه توضيح فيما إذا كان الخطاب للكفَّار أم هو للمسلمين فقط -بَرِّهم وفاجرهم ومنافقهم- فعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه: “أن ناساً في زمن رسول الله ﷺ، قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة، فقال رسول الله ﷺ: نعم، قال: هل تُضَارُّونَ في رؤية الشمس بالظهيرة صَحْوًا ليس معها سحاب، وهل تُضَارُّونَ في رؤية القمر ليلة البدر صَحْوًا ليس فيها سحاب، قالوا: لا يا رسول الله. قال: ما تُضَارُّونَ في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تُضَارُّونَ في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذَّن مؤذِّن لتَتْبَعْ كلُّ أُمَّة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بَرٍّ أو فاجر وغُبَّراتُ أهل الكتاب (بقاياهم الموحِّدون)، فيُدعى اليهود، فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرَ ابن الله فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربَّنا فاسقنا، فيُشار إليهم أَلَا تَرِدُون، فيُحشرون إلى النار، كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يُدعى النصارى فيقال لهم: مَن كنتم تعبدون، قالوا: كنا نعبد المسيحَ ابنَ الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربَّنا فاسقنا، قال: فيُشار إليهم أَلَا تَرِدُون، فيُحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بَرٍّ وفاجر أتاهم ربُّ العالمين -سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون تَتْبَعُ كلُّ أُمَّة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربَّنا فَارَقْنا الناسَ في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نُصاحبهم، وإنا سمعنا مناديًا ينادي: لِيَلْحق كلُّ قومٍ بما كانوا يعبدون، وإننا ننتظر ربَّنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا، حتى إن بعضهم لَيكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها، فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى، من كان يسجد لله مِن تلقاء نفسه إلا أَذِنَ اللهُ له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل اللهُ ظهرَه طبقةً واحدة، كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحوَّل في صورته التي رأَوْه فيها أول مرة، فقال: أنا ربُّكم فيقولون: أنت ربُّنا، ثم يُضرب الجسرُ على جهنم وتَحِلُّ الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلِّم. قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دَحْضٌ مَزَلَّة (أي: زَلْقٌ تَزْلُق)، فيه خطاطيف (أشياء تخطف وتأخذ بسرعة) وكلاليب (الكلُّوب حديدة معطوفة الرأس يعلَّق عليها اللحم) وحَسَكٌ (شوك صلب) تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السَّعدان (نبات ذو شوك) فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجٍ مُسَلَّمٌ ومخدوش مُرْسَلٌ ومَكْدُوسٌ في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلُّون ويحجُّون فيقال لهم: أخرجوا مَن عرفتم فتحرم صورهم على النار فيُخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نَذَرْ فيها أحدًا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمَن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيُخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نَذَرْ فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقًا كثيرًا ثم يقولون: ربنا لم نَذَرْ فيها خيرًا” وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدِّقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)، “فيقول الله عزَّ وجلَّ: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيُخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قَطّ، قد عادوا حِمَمًا فيُلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حَمِيلِ السَّيْلِ، ألا تَرَوْنها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ فقالوا يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدَّموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربَّنا أي شيء أفضل من هذا؟! فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا”. ففي هذه الرواية الصحيحة بيَّن النبيُّ ﷺ مَن المقصود بالخطاب بالسجود، وهم: المسلمون بَرُّهم وفاجرهم ومنافقوهم.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *