حكم اقتناء الكلب وبيعه
الفتوى رقم: 963 السؤال: شابٌّ معه كلب، قال: هذا لك، قلت له: لا، قال الشابُّ من ساعتين وأنا أبحث عن صاحب هذا الكلب، وهو من الكلاب غالية السعر، أخذته إلى البيت، فعرض عليَّ شراءه، فما حكم بيع هذا الكلب؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً فإن في استفتائك عدة مسائل:
أولًا: حكم اقتناء الكلب؟
فقد نصَّ فقهاء المذاهب المعتبرة أنه لا يجوز للمسلم أن يقتني كلبًا، إلا إذا كان محتاجًا إلى هذا الكلب في الصيد أو في حراسة الماشية أو حراسة الزرع. وقد دلَّ على ذلك أحاديثُ كثيرة منها: ما رواه البخاريُّ في صحيحه من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ”. وما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ”. وروى ابن ماجه في سننه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ “.
قال الإمام النوويُّ رحمه الله تعالى في “شرح مسلم” (10/340): “هَلْ يَجُوز اقْتِنَاء الْكِلَاب لِحِفْظِ الدُّور وَالدُّرُوب وَنَحْوِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدهمَا: لا يَجُوز، لِظَوَاهِر الأَحَادِيث، فَإِنَّهَا مُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ إِلا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْد أَوْ مَاشِيَة، وَأَصَحّهمَا: يَجُوز، قِيَاسًا عَلَى الثَّلاثَة، عَمَلا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الأَحَادِيث، وَهِيَ الْحَاجَة”. انتهى.
ثانيًا: حكم بيع الكلب؟
فقد نصَّ جمهور الفقهاء على أن بيع الكلاب حرام، ولو كان الكلب مما يجوز اقتناؤه. وقد وردت عن النبيِّ ﷺ أحاديث كثيرةٌ في النهي عن بيع الكلاب، وهي بعمومها تشمل جميع الكلاب، ما يجوز اقتناؤه، وما لا يجوز.
فمن هذه الأحاديث: ما رواه البخاريُّ في صحيحه عن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: “نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ”. وما رواه البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ “رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: “نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ”. وروى أبو داود في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا” قال الحافظ: إسناده صحيح.
قال الإمام النوويُّ في “شرح مسلم”…: “وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَكَوْنُه مِنْ شَرّ الْكَسْب وَكَوْنه خَبِيثًا فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه، وَأَنَّهُ لا يَصِحّ بَيْعه، وَلا يَحِلُّ ثَمَنُه، وَلا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لا، وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اقْتِنَاؤُهُ أَمْ لا، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَابْنُ الْمُنْذِر وَغَيْرُهمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَصِحّ بَيْع الْكِلاب الَّتِي فِيهَا مَنْفَعَة، وَتَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفهَا. وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ جَابِر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْع كَلْب الصَّيْد دُون غَيْره… ودَلِيل الْجُمْهُور هَذِهِ الأَحَادِيث “. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله تعالى في “فتح الباري”: “ظَاهِر النَّهْي تَحْرِيم بَيْعه، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلّ كَلْب مُعَلَّما كَانَ أَوْ غَيْره مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَوْ لا يَجُوز، وَمِنْ لازِم ذَلِكَ أَنْ لا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور” انتهى.
بناء عليه: فلا يَحِلُّ بيعُ الكلب عند جمهور الفقهاء، وأجاز ذلك الحنفية، ولا مانع من الأخذ بقول الحنفية إذا كان الكلب للصيد أو الحراسة.
والله تعالى أعلم.