هل يُغفر للشهيد الصيام الذي كان عليه كما تغفر له ذنوبه؟
فتوى رقم 4935 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل الشهيد يُغفر له الصيام الذي عليه كما تُغفر له ذنوبه؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
أخي السائل الشهادة في سبيل الله تعالى مكفِّرة لجميع الذنوب إلا حقوق الآدميين؛ لحديث الإمام مسلم في صحيحه وغيره عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة رضي الله عنه: “أنَّهُ قَامَ فيهم، فَذَكَرَ لهمْ أنَّ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ باللَّهِ أَفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كيفَ قُلْتَ؟ قالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلَّا الدَّيْنَ؛ فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ قالَ لي ذلكَ. قال الإمام النوويُّ -رحمه الله تعالى- في شرحه على صحيح مسلم (13/29): “قوله صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: “نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِر”ٍ فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد وهي تكفير خطاياه كلِّها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة، وهو أن يُقتل صابرًا محتسبًا مُقبلًا غير مُدبر، وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى. قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ) لعله احتراز ممن يُقبل في وقت ويُدبر في وقت، والمحتسب هو المخلص لله تعالى؛ فإنْ قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصِيت أو نحو ذلك، فليس له هذا الثواب ولا غيره. وأما قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إلا الدَّين) ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأنَّ الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البِرِّ، لا يُكَفِّر حقوق الآدميين، وإنما يكفِّر حقوق الله تعالى. وأما قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (نعم)، ثم قال بعد ذلك (إلا الدَّين) فمحمول على أنَّه أُوحيَ إليه به في الحال، ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ قالَ لي ذلك) انتهى. وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه: “فتح الباري” (193/10): ” وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر الصَّحِيح “إِنَّ الشَّهِيد يُغْفَر لَهُ كُلّ شَيْء إِلَّا الدَّيْن”. فَإِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الشَّهَادَة لَا تُكَفِّر التَّبِعَات، وَحُصُول التَّبِعَات لَا يَمْنَع حُصُول دَرَجَة الشَّهَادَة، وَلَيْسَ لِلشَّهَادَةِ مَعْنًى إِلَّا أَنَّ اللَّه يُثِيب مَنْ حَصَلَتْ لَهُ ثَوَابًا مَخْصُوصًا، وَيُكْرِمهُ كَرَامَةً زَائِدَة، وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيث، أَنَّ اللَّه يَتَجَاوَز عَنْهُ مَا عَدَا التَّبِعَات، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ لِلشَّهِيدِ أَعْمَالًا صَالِحَة وَقَدْ كَفَّرَتْ الشَّهَادَةُ أَعْمَالَه السَّيِّئَة غَيْر التَّبِعَات، فَإِنَّ أَعْمَاله الصَّالِحَة تَنْفَعهُ فِي مُوَازَنَة مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَات، وَتَبْقَى لَهُ دَرَجَة الشَّهَادَة خَالِصَة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَال صَالِحَة فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة. وَاَللَّه أَعْلَم”انتهى.
وعليه: فإن توفر في مقتل الشهيد ما ذكره سيدنا محمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: “صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِر” فإنه يُغفر له كلُّ الخطايا ومنها تقصيره في صوم رمضان، إلا الدَّين. والله تعالى أعلم.