كيف ترد الحقوق إلى أصحابها بعد توبة العبد؟
فتوى رقم 4902 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف يتوب المسلم إلى الله ويردُّ حقوق العباد التي مضى عليها وقت طويل ولا يعلم أين هؤلاء الناس؟ كيف يعتذر منهم؟ مثلاً سرقة مال، أو تلاعب بالميزان، أو غش.
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [سورة آل عمران: 135، 136]. قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره (1/408): “وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي: تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية ويصرُّوا، مُقلعِين عنها ولو تكرَّر منهم الذنب تابوا منه”. انتهى.
وقد نصَّ الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “المجموع” (9/351) بشأن حقوق العباد المالية التي أُخذت بغير حق، فقال: “قال الغزاليُّ: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإنْ كان له مالك معيَّن، وجب صرفُه إليه، أو إلى وكيله، فإن كان ميتاً وجب دفعُه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفَه في مصالح المسلمين العامَّة؛ كالقناطر والرُّبَط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدَّق به على فقير أو فقراء… وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراماً على الفقير، بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدَّق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أَوْلى مَن يتصدَّق عليه، وله هو أن يأخذ منه قَدْرَ حاجته؛ لأنه أيضاً فقير. وهذا الذي قاله الغزاليُّ في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه، نقله الغزالي أيضًا عن معاويةَ بنِ أبي سفيانَ وغيرِه من السلف، عن أحمدَ بن حنبلٍ والحارثِ المحاسبيِّ وغيرِهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميُه في البحر، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم”. انتهى.
وعليه: فالتوبة واجبة على العبد، وشروط صحتها: ندم، وإقلاع أي ترك للمعصية، وعزم على عدم العودة إليها، فإذا تعلَّقت المعصية بالناس فلا بدَّ من تحقُّق شرط رابع: وهو رَدُّ المظالم والحقوق إلى أصحابها، أو أن تطلبَ منهم السماح في الدنيا إذا لم يترتب على ذلك فتنة أو مشاكل وخصام. فإذا لم يعرف أصحاب الحق تصدَّق بقيمة المال على الفقراء ولو على نفسه إن كان فقيراً، ويجعل ثواب ذلك لهم. والله تعالى أعلم.