هل يفسخ عقد الزواج بالردة؟
فتوى رقم 4860 السؤال: زوجي يشتم الله، وكنت أنبِّهه باستمرار بأن ما يفعله يؤثِّر على زواجنا إذا لم ينطق الشهادتين، ولا جدوى من الكلام معه، لكنْ بعد أن سمع أحد علماء الدين يتحدث بالأمر نفسه، جاء وقال: إنه ليس عليه إثم لأنه لا يعلم أن هذا الفعل يُبطل الزواج بيني وبينه، فهل هذا الكلام صحيح: أنه إذا لم يكن يعلم بأنَّ شتمَ الله يسبِّب إبطال عقد الزواج فلا إثم عليه؟ وهل أنا زوجته الآن؟ من بعد أمركم سؤال ثان، زوجي دائماً يحلف (عليَّ الطلاق) برغم أنني مطلَّقة منه بسبب كفره، لكنْ ما كنت أعلم بهذا الشي من فترة 4 سنين، هل أنا طلقت منه طلقة واحدة أو ثلاثاً؟ فهو دائماً كان يكرِّر كلمة (عليَّ الطلاق)، والآن كان يتحدث مع زملائه ويقول لهم: (عليَّ الطلاق بالثلاث لأطلِّقها)، هل أنا مطلَّقة منه بالثلاث، أو مرة واحدة؟ أرجو الردّ.
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بالنسبة للسؤال الأول: فالشتم لله تعالى -عياذاً بالله- ردةٌ وكفرٌ وإثم كبير، وهذا مما لا يخفى على أي مسلم، وهو مطالب بالعودة إلى الإسلام، وتكون العودة بالنطق بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام، مع العزم على أن لا يعود إلى هذا الكفر. وأما مسألة فسخ العقد بالردة، فما عليه فقهاء الشافعية هو أنَّ عقدَ زواج -المدخول بها – يصير موقوفاً، حالَ رِدَّةِ أحد الزوجين، فلا يَحِلُّ للزوجة المسلمة أن تكشفَ شيئاً من بدنها لزوجها المرتدِّ -الكافر- أو تمكِّنه من معاشرتها حتى يرجعَ إلى الإسلام، فإنْ رجع قبل انتهاء مدة العدَّة الشرعية، عاد عقد الزواج ولا يحتاج الزواج إلى عقد جديد. قال الإمام ﺍﻟﻨﻮﻭﻱُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- ﻓﻲ كتابه “ﺭﻭﺿﺔ ﺍﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻦ” (7/141-142): “ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﺪ ﺍﻟﺰﻭﺟﺎﻥ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﺗﻨﺠَّﺰﺕ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ، ﻭﺑﻌﺪﻩ -بعد الدخول- ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌِﺪَّﺓ؛ ﻓﺈﻥْ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺋﻬﺎ ﺍﺳﺘﻤﺮَّ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ، ﻭﺇﻻ بانَ ﺣﺼﻮﻝُ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺮِّﺩَّﺓ. ﻭﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﻻ ﻳَﺤِﻞُّ ﺍﻟﻮﻁﺀ… ﻭﻟﻮ ﻃﻠَّﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﺃﻭ ﻇَﺎﻫَﺮَ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ آﻟﻰ ﺗﻮﻗَّﻔْﻨﺎ؛ ﻓﺈﻥْ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌِﺪَّﺓ ﺗﺒﻴَّﻨﺎ ﺻﺤَّﺘَﻬﺎ ﻭﺇﻻ ﻓﻼ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻠﺰﻭﺝ ﺇﺫﺍ ﺍﺭﺗﺪﺕ ﺃﻥ ﻳَﻨْﻜِﺢَ ﺃﺧﺘَﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﻭﻻ ﺃﺭﺑﻌًﺎ ﺳﻮﺍﻫﺎ.. ﻓﺈﻥْ ﻃﻠَّﻘﻬﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ﻓﻲ ﻣﺪﺓ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﺃﻭ ﺧﺎﻟﻌﻬﺎ ﺟﺎﺯ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗَﻌُﺪْ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻘﺪ ﺑﺎﻧﺖ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﺮِّﺩﺓَّ، ﻭﺇﻻ ﻓﺒﺎﻟﻄﻼﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﻠﻊ. “انتهى ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ. ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﻮﺿﺢ ﺃﻥ ﻃﻼﻕ ﺍﻟﻤﺮﺗﺪِّ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﻌِﺪَّﺓ ﻣﻮﻗﻮﻑ، ﻓﺈﻥْ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌِﺪَّﺓ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻄﻼﻕ وإلا فلا يقع. وﻗﺎﻝ العلَّامة ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺍﻟﺸﺮﺑﻴﻨﻲُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في كتابه “ﻣﻐﻨﻲ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺝ” (3/244): “ﺗﺘﻤﺔ: ﺇﺫﺍ ﻃﻠَّﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﺍﻟﺘﻮﻗُّﻒ ﺃﻭ ﻇَﺎﻫَﺮَ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺁﻟﻰ، ﻓﺈﻥْ ﺟﻤﻌﻬﻤﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻘﻀﺎﺋﻬﺎ ﺗﺒﻴَّﻨﺎ ﺻﺤَّﺘَﻬﺎ ﻭﺇﻻ ﻓﻼ.” انتهى.
وعليه: بما أنك تقولين: إن زوجك يرجع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين، فإن ذلك يعني أن العقد عاد كما كان.
أما بالنسبة للسؤال الثاني: وهو موضوع تلفُّظ –زوجك- المتكرِّر بالطلاق ، فالإجابة تحتاج إلى استفسار من الزوج عن حالته أثناء التلفُّظ، وعن صيغة الكلام الذي نطق به. والله تعالى أعلم.