ما حكم اقتناء كلب في المنزل؟ وما حكم طلاق الغضبان؟

فتوى رقم 4833 السؤال: ما حكم اقتناء كلب صغير، وتربيته في البيت؟ وهل هو نجس؟ وسؤال آخر: زوجي طلَّقني وأنا حامل لكنه كان في غضب شديد؛ حيث حصل نقل كلام له عني، فجاء إلى البيت غضبان فصار يصرخ ويحطم ما وقعت يده عليه وصار كالمجنون، وتلفَّظ بالطلاق وهو في تلك الحالة، فهل يقع؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة للسؤال الأول: وهو حكم اقتناء الكلب أو وضعه في البيت. فالأصل عدم جواز اقتناء الكلب أو وضعه في البيت، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لحاجة الصيد أو حراسة الماشية والزرع ونحو ذلك كحفظ البيوت مثلاً من السرقات، قال الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم (10/236) “اخْتُلِف في جواز اقتنائه-أي الكلب- لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدُّور والدُّروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة”. انتهى. ونصَّ أكثر أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم على حرمة اقتناء الكلب لغير ما ذكرناه؛ لحديث الصحيحَيْن وغيرِهما، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «من اتخذ كلباً إلا كلبَ ماشيةٍ، أو صيدٍ، أو زرعٍ، انتُقِصَ من أجره كلَّ يوم قيراطان» وفي رواية: “قيراط“. وروى البخاريُّ ومسلمٌ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ». قال الإمام النوويُّ -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم (14/84): قَالَ العلماء: سَبَب اِمْتِنَاعهم مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كلب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات، ولأنَّ بَعْضهَا -أي الكلاب- يُسَمَّى شَيْطَانًا كَما جَاءَ به الْحَدِيث، وَالْمَلَائِكَةُ ضِدّ الشَّيَاطِين، وَلِقُبْحِ رَائِحَة الْكَلْب، وَالْمَلَائِكَة تَكْرَه الرَّائِحَة الْقَبِيحَة، ولأنَّهَا مَنْهِيٌّ عن اتِّخَاذهَا، فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته، وَصَلَاتهَا فِيه، وَاسْتِغْفَارهَا له، وَتَبْرِيكهَا عليه وفي بَيْته، وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ. وَأَمَّا هؤلاءِ الْمَلَائِكَة الذين لا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك وَالاسْتِغْفَار، وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالهمْ، وَكِتَابَتهَا. وَاللَّه أَعْلَم. انتهى. وهل لا تدخل الملائكة أيَّ بيتٍ فيه كلب، ولو كان من الكلاب المأذون في اتخاذها شرعًا ككلب الحراسة ونحوه مما سبق ذكره؟ يقول الإمام النوويُّ -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (14/84): “وَالْأَظْهَر أَنَّهُ عَامّ فِي كُلِّ كَلْب، وَكُلّ صُورَة، وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْجَمِيع لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّ الْجِرْو الَّذِي كَانَ فِي بَيْت النَّبِيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَحْت السَّرِير كَانَ لَهُ فِيهِ عُذر ظَاهِر، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِنْ دُخُول الْبَيْت، وَعَلَّلَ بِالْجِرْوِ، فَلَوْ كَانَ الْعُذر فِي وُجُود الصُّورَة وَالْكَلْب لَا يَمْنَعهُمْ لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيل. انتهى.
وأما بالنسبة للكلب، هل هو نجس أم لا؟ فما عليه جمهور-أكثر- أهل العلم أنَّ الكلب نجسٌ كلُّه، مهما كان الغرض من اقتنائه؛ لحديث أبي هريرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ». رواه مسلم. وفي رواية له: «إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ».
وعليه: فالكلب نجس، ولا يَحِلُّ اقتناؤه إلا لغرض صيد، أو حراسةٍ للزرع، أو للماشية، أو للبيوت ونحوه.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني: أختي السائلة اعلمي: أنَّ الغضب المعهود من الإنسان لا يمنع من وقوع الطلاق، بخلاف الغضب الشديد الذي بلغ بصاحبه حدًّا فَقَدَ معه الشعور والإدراك، بحيث صار لا يَعِي ما يقول، أو أنه يَعِي ما يقول ولكنه لم يستطع معه ضبط نفسه؛ ففَقْدُ السيطرة مع وجود قرائن تَدلُ على ذلك: كضرب وصريخ بحيث تشبه أفعالُه أفعالَ المجنون أو المدهوش -كما يسمِّيه فقهاء الأحناف- فهذا لا يقع طلاقه؛ لما رواه أبو داود وابن ماجه عن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لا طلاق ولا عِتَاق فِي إِغْلاق». والإغلاقُ معناه: انغلاق الذهن عن النظر والتفكير؛ بسبب الغضب أو غيره. وقد نصَّ مذهب الحنفيَّة والحنابلة على عدم وقوع طلاق الغضبان بالوصف الذي ذكرناه، وسمَّاه الحنفيَّة بطلاق المدهوش؛ قال الفقيه الحنفيُّ ابن عابدين الدمشقيُّ في كتابه: “رد المحتار على الدر المختار” ما نصُّه: “والذي يظهر لي أن كُلًا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول، بل يُكتفى فيه بغلبة الهذيان، واختلاط الجِدِّ بالهزل، ولا ينافيه تعريف الدَّهْشِ بذهاب العقل، فإن الجنون فنون، ولذا فسَّره في “البحر” -أي: البحر الرائق لابن نجيم- باختلال العقل، وأدخل فيه العته، والبرسام، والإغماء، والدَّهْش. ويؤيد ما قلنا قولُ بعضهم: العاقل مَن يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضِدُّه. وأيضًا فإن بعض المجانين يعرف ما يقول ويريده، ويذكر ما يشهد الجاهل به بأنه عاقل، ثم يظهر منه في مجلسه ما ينافيه، فإذا كان المجنون حقيقة قد يعرف ما يقول ويقصده، فغيره بالأَولى. فالذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه إناطة الحكم بغَلَبَةِ الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته”. انتهى. باختصار من الموسوعة الفقهية الكويتية (29/18).
وعليه: فانْ كان الوصف كما ذكرتِ فالطلاق غير واقع. والله تعالى أعلم.
تنبيه: هذه الفتوى هي بالشروط المذكورة أعلاه، وإذا كان ثمة أمر غير مذكور في السؤال فلا يُفتى بالفتوى نفسِها، بل يجب سؤالُ أهل العلم من قِبَلِ الزوج الذي حصل معه الأمر.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *