حوار مع الداعية وجدي غنيم: سيف الحق في هذا العصر

 

«أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر» حديثٌ نبويٌّ رواه أبو داود والترمذي، فَهِمه ضيفنا الكريم وطبّقه‏ في مسيرة حياته، ولم يَخشَ في الله لومةَ لائم؛ فكان جزاؤه السجن والتعذيب، والطرد والإبعاد… فاحتسب ذلك كله في سبيل الله، ماضياً في طريقه ليستكمل مسيرة الدعوة والجهاد في بلاد الله.

نستضيفه في مجلة منبر الداعيات على هامش تكريم جمعية الاتحاد الإسلامي له في حفل حاشد في معرض رشيد كرامي الدولي – طرابلس، تحت عنوان: «سيف الحق في هذا العصر»، حيث قام رئيس الجمعية الشيخ حسن قاطرجي بتقليده درعاً رمزياً عبارة عن سيف، تقديراً لتضحياته في سبيل الله.
1. «منبر الداعيات»: بداية، كيف تلقَّيتم هذا التكريم، وما البُعد – برأيكم – الذي يرمي إليه؟
· حيّا الله أخواتي الفاضلات في مجلة منبر الداعيات. حقيقة فوجئت بهذا التكريم، وجزى الله كل خير إخواني وأحبابي في جمعية الاتحاد الإسلامي برئاسة الشيخ الحبيب حسن قاطرجي، وحقيقة لا أستحق هذا التكريم وشأني في نفسي أقلّ من هذا بكثير. الحقيقة أن الذي أثّر بي وأعجبني أن يكون التكريم عبارة عن سيف، يقول الرسول [: «بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبدَ الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظِلِّ رمحي، وجعل الذِّلة والصَّغار على مَن خالف أمري…» رواه الإمام أحمد؛ فالسيف رمز القوة والعزّة. طبعاً هذا الأمر كان أيام زمان، أما اليوم فالطائرات والدبابات والغوّاصات. هذا تكريم لا أستحقه، أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون أهلاً له.
2. «منبر الداعيات»: في ظل المواقف المتخاذلة التي ضيَّعت حقوق الأمة الإسلامية: كيف يمكن للداعية إلى الله أن يقول كلمة الحق ويَثبُت عليها ويلاقي في سبيلها الأَلاقي؟
· الداعية إلى الله إما أن يكون أهلاً لأن يكون داعية، أو لا يكون، ويجب أن يعي ويفهم: ماذا يفعل؟ وما هي أبعاد دعوته؟ ففي غزوة الأحزاب، كان عدد الأحزاب 11 ألفاً 6 آلاف من غطفان بقيادة عَُيَيْنة بن حِصْن الفِزاري، و4 آلاف من قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، وألف من بني النضير بقيادة حُيَي بن أخطب، والإمام ابن حزم يقول: إنّ المسلمين كان عددهم ثمانمئة، والذين قالوا: إنّ بيوتنا عورة: خمسمئة، قال تعالى: (فلما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا: هذا ما وعدَنا اللهُ ورسولُه وصَدَق اللهُ ورسولُه وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً)، إذن يجب أن يعلمَ الداعية إلى الله أنه سيقول كلمة الحق، وسيلاقي الابتلاء في سبيلها، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العصر: (وتواصَوْا بالحقِّ; وتواصَوْا بالصبر)، فالصبر يكون على الحق وعلى الإيذاء المترتّب على قول الحق، يقول لقمان لابنه: (يا بُنيَّ أَقِم الصلاةَ وأمُرْ بالمعروف وانْه عَن المنكرِ واصبرِ على ما أصابك)… لا بدّ أن يكون هناك ابتلاء وامتحان؛ فعلى الداعية أن يعلم طريقَه وهدفه، فمَن كان أهلاً لهذا الأمر فليدعُ، وإن لم يكن كذلك، فليبتعد حتى لا يضيِّع حقوق الأمة ويحاسبه الله على ذلك.
3. «منبر الداعيات»: ماذا علّمتكم تجربة السجن؟ وتجربة المطاردة؟
· السجن خلوة، كما قال الإمام ابن تيمية، وهو يعلّم المسلم كيف تكون المعية مع الله؛ فعندما يُسجن المسلم، وعندما يُضرَب: مَن يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى؟ ففي عام 1995، كنا في السجن حيث كان البعضُ يُعذََّب؛ فاقترح بعض الإخوة أن نرفِّه عن السجناء، يقول الله تعالى: {فلما جاء بأسُنا تضرّعوا}، فصلّينا ركعتين لله ودعَوْنا بكلِّ إخلاص أن ينجِّيَنا… واللهِ لا أعرف كيف أصلّي هاتيْن الركعتْين مجدَّداً اليوم! فكل حرف وكل كلمة نطقنا بها كان قلبنا فيها مع الله تعالى، وعندما يثق المرء بقدرة الله وعطائه يثبِّته. فإذا خرج الداعية من السجن تجده لا يتوقع أسوأ مما حصل له. فالمطاردة والإيذاء والسجن والضرب… ذلك تسخير من الله لبعض الناس من أجل أن يدخلوا الجنة.
4. «منبر الداعيات»: على ضوء تجربتكم: كيف يستطيع الداعية أن يجنِّد أسرته لتكون عوناً له وسنداً بدل أن تضع في طريقه العقبات، وتقيِّده بقيود الواجبات الأسرية؟
· أن يربِّيهم على الإسلام، وأكبر تربية للأولاد على الإسلام أن يعامل المسلم زوجته بالإسلام، فيتعلم الأولاد من الوالديْن التعامل مع الآخرين بكل حب وعطف، عكس الأسر المحطّمة. فأولادي عندما كانوا يأتون لزيارتي في السجن كنتُ أقول لهم: هذا ما ترَوْنه هو في سبيل الله. أذكر كلمة طريفة قالها ابني محمد عندما كان صغير السن، لمّا قُبض علَيّ عام 1982؛ فقد كانوا يسألونه لماذا قُبض على والدك؟ فيقول: لأنهم يريدونه أن يدخِّن السجائر وهو يرفض! وكنت أُرسل لهم رسائل أُضْحِكهم بها، وعندما يأتون لزيارتي كنتُ أداعبهم، فكانوا لا يشعرون أني في سجن.
5. «منبر الداعيات»: ما سبيل الداعية إلى بناءٍ نفسي وفكري يليق بالرسالة التي كلّفه الله بتبليغها للناس؟
·       القرآن هو أهم شيء؛ ففي سورة الفرقان يقول الله تعالى: (ولا يأتونك بِمَثَلٍ إلا جئناك بالحقِ وأحسن تفسيراً)، وفي آخر سورة ق: (فذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد)؛ فالقرآن هو أهم شيء، يبني فيه الإنسان نفسه ويبني عقيدته.
6. «منبر الداعيات»: ما أوجب الواجبات التي ينبغي للشباب القيام بها تجاه قضايا الأمة عامة وتجاه قضية الأقصى بشكل خاص؟
· الواجبات: أن يعلم الشابّ أنه يَحيا للدين وبالدين؛ ففي سورة التوبة: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشَوْن كسادَها ومساكنُ ترضَوْنها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولهِ وجهادٍ في سبيلهِ فتربّصوا حتى يأتيَ اللهُ بأمره، واللهُ لا يهدي القومَ الفاسقين).
7. «منبر الداعيات»: ما الخطوات العملية التي تمكّن المسلم من جَعْل الإسلام منهجاً لحياته في ظل نمط حياة يهدف إلى تفريغ الإسلام من محتواه؟
·الالتزام؛ قال تعالى في سورة الأنعام: (قُلْ إنّ صلاتي ونُسُكي ومَحْيَاي، ومماتي لله رب العالمين)، أن يكون الإسلام منهج حياة، لا أن يكون جزءً من الحياة، بل يكون الحياة كلها؛ ففي سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلْم كافّة). وأن يحفظ الأحاديث النبوية ويطبقها في حياته، قال (ص): «تركتُ فيكم ما إنْ تمسكتم لن تضلّوا بعدي أبداً: كتابَ الله وسُنّتي».
8. «منبر الداعيات»: ما الواجب الـفردي والجماعي لتحقيق هذا المطلب الشرعي في حياتنا؟ وعلى مَن تقع المسؤولية بالدرجة الأولى؟
·التغييرالفردي: أَصلِح نفسَك وادعُ غيرك؛ فالله سيحاسبني على نفسي وزوجتي وأولادي، والمجتمع سيحاسبني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما التغيير الواقعي، فيكون كما قال سيدنا عثمان رضي الله عنه: «إنّ اللهَ ليَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
* * *
ختاماً، نبارك للداعية العالِم الحرّ وجدي غنيم هذا التكريم، ونسأل الله تعالى أن يثبته على قول الحق وييسِّر له طريقه، شاكرين له اهتمامه وتلبيته دعوتناl

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *