قلت لزوجتي: وربِّ الكعبة أي كلمة بتحكيها مع فلان بخير أو بشرٍّ بتحرمي عليَّ ليوم الدِّين-
فتوى رقم 4655 السؤال: السلام عليكم، أنا متزوج وقد كنت في حالة غضب بدون تفكير بما قد يحدث، بعدها أرسلت إلى زوجتي رسالة واتس آب بعد جدال، قلت لها: وربِّ الكعبة أي كلمة بتحكيها مع فلان بخير أو بشرٍّ بتحرمي عليَّ ليوم الدِّين- الموضوع أن هناك ارتباطاً موقتاً بهذا الشخص يخصُّ عملاً، حتى إنهاء العمل يحتاج إلى كلام وهي مضطرة لأن تنهيَ ما بدأته،كيف لها أن تتكلَّم معه بعد هذا القسم؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
فالمسألة فيها تفصيل؛ فرسالة الوتس آب إما ان تكون نصِّية مكتوبة أو صوتيَّة؛ فإن كانت هذه الرسالة مكتوبةً فيتوقَّف اعتبارُها على نية كاتبها، وإلا فهي لغوٌ؛ فقد نصِّ الخطيب الشربينيُّ الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه: “مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج” (3/284): “قوله (ولو كتب ناطق) على ما يثبت عليه الخط ُّكورق وثوب وحجر .. (طلاقاً) أو نحوه ….كأنْ كتب: زوجتي أو كلُّ زوجةٍ لي طالق..(ولم ينوه) أي الطلاق ..(فلغوٌ) لا يُعْتَدُّ به على الصحيح. (وإن نواه) ولم يتلفَّظ به (فالأظهر وقوعه). انتهى. وأما إذا كانت صوتية فالجواب لفظ: “تحرمي عليَّ” لفظ غير صريح في الطلاق، ويعبِّر عنه العلماء بأنه لفظ كنايةٍ يحتاج إلى نية، وهذا ما نصَّ عليه فقهاء الشافعية -رحمهم الله تعالى- في كتبهم المعتمدة ــــ مغني المحتاج للشربينيِّ رحمه الله 3/283 ـــــ فإن كانت النية الطلاقَ فطلاق، وإن كانت ظهاراً فظهار، وإن لم ينوِ شيئاً فيمين. فإن كان الزوج يقصد الطلاق بقوله لزوجته-: “وربِّ الكعبة أي كلمة بتحكيها مع فلان بخير أو بشرِّ بتحرمي عليَّ ليوم الدِّين”- فإنَّه يُعتبر طلاقاً معلَّقاً، -على تكلُّم الزوجة مع ذلك الرجل-، وإلا فلا، وذلك بشرط أن يكون قائله قد قاله وهو مدرك لما يقول، فلو قاله في حالة غضب شديدٍ؛ بحيث لم يدرك ما قاله، فإنَّه لا يُعتبر طلاقًا معلَّقًا. وحكم الطلاق المعلَّق، أنَّه يقع إذا حصل الأمر المعلَّق عليه الطلاق باتفاق المذاهب الأربعة -الأحناف والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة-، ويبقى معلَّقًا مهما مضى من زمنٍ. والظاهر أن هذا التعليق مطلق، غير مقيَّد بوقت معيَّن أو بحادثة معينة. وقد نصَّ فقهاء المذاهب الأربعة على أن الطلاق المعلَّق يبقى معلَّقاً على ما عُلِّقَ عليه حتى إذا حصل الفعل ممن عُلِّق على فعله وقع الطلاق، بشروط وهي:
1- أن يكون الفاعل ذاكرًا للتعليق غير ناسٍ أثناء الفعل.
2-أن يكون عالـمًا بالتعليق غير جاهل به.
3-أن يكون مختارًا غير مُكرَه أثناء الفعل.
وعليه: فإنْ كان الزوج مريداً بقوله :”تحرمي عليَّ” الطلاقَ، ومُدرِكًا لما علَّق عليه الطلاق، ثم فعلت الزوجة هذا الأمر المعلَّق عليه الطلاق، وهي عالمة بالتعليق غير ناسية، وليست مكرهة، فإنَّ الطلاق يقع.
وأما إن نوى بكلمة :”تحرمي عليَّ” اليمينَ، أو لم ينو شيئاً يقع الحِنْثُ بيمينه في حالة تكلُّم الزوجة مع ذلك الرجل، وتجب حينئذٍ كفارة اليمين. وأما إن نوى الظِّهار بكلمة :”تحرمي عليَّ” أي أنها مثل أمِّه في التحريم ــــ فقد وقع الظِّهار ووجبت كفارة الظِّهار. أما كفارة اليمين فقد ذكرها الله عزَّ وجلَّ في قوله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة المائدة آية: 89]، وهو بدايةً مخيَّر بين: عتق رقبة مؤمنة -وهذا غير متوفر اليوم- أو إطعام عشرة مساكين، كل مسكين وجبة مشبعة وتساوي اليوم 600 غرام من غالب قُوت أهل البلد؛ كالأرز والفول ونحوه ، أو كسوتهم بما يُعَدُّ كسوةً في عُرْفِ الناس (ويمكن إعطاؤها لمسكين واحد، طالما استمر اتِّصافه بوصف الفقر والمسكنة)، فإن لم يستطع واحدة مما ذُكر فيجب عليه -الذي حلف- صيامُ ثلاثة أيام، ولا يُشترط الموالاة -التتابع- بينها . وأما كفارة الظِّهار فقد ذكرها الله بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [سورة المجادلة الآيتان: 3-4]. وبما أنه لا يوجد رقبة مؤمنة اليوم ، فيجب صيام شهرين متتابعَيْن، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً. والله تعالى أعلم.
تنبيه: مسائل الطلاق يختلف فيها الحكم باختلاف الألفاظ الـمُستخدَمة، أو بالنية ، أو بالقرائن والأحوال، فإن اختلف شيء من حيثيَّات السؤال فالإجابة تختلف تبعاً لذلك.