ما حكم التعامل مع مَن مالُه كلُّه حرام، أو مع مَن غالبُ مالِه حرام؟
فتوى رقم 4461 السؤال: لدينا مركز طبيٌّ للنظر (فحصاً ونظاراتٍ) في إفريقيا -الديانة هنا النصرانية- وثمة زبائن لنا يعملون في شركة تصنيع وبيع الخمور، فهل يجوز تقاضي أجر المعالجة وتركيب النظارات والعدسات مباشرة من شركة الخمور، أو حتى من موظَّفيها؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
هذه المسألة يسمِّيها العلماء: حكم التعامل مع مَن مالُه كلُّه حرام، أو مع مَن غالبُ مالِه حرام، فاعلم -أخي السائل- أن الأدلة الواردة في الخمر بعمومها تدل على تحريم بيع الخمر على المسلمين والكفار؛ لأنَّ تلك الأدلة دلَّت على تحريم بيعه تحريمًا عامًّا، ولم تفرِّق بين المسلمين وغيرهم في ذلك. قال الإمام النوويُّ -رحمه الله تعالى- في “شرحه على صحيح مسلم” (11/8): “وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريمِ بيع ِكلِّ واحد منها”. انتهى.
والمال المــُكتَسب -بعامَّة- ثلاثة أنواع: حلال، وحرام، ومختلط بين الحلال والحرام. فالمال الحلال لا نقاشَ في حِلِّه وطِيبه، وأما المال الحرام كالمــُكتَسَب من بيع الخمر والخنزير والسرقة والغصب فلا خلاف في حرمته؛ لحديث مسلمٍ في صحيحه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في الخمر: “إن الذي حرَّم شربَها حرَّم بيعَها”، ولما روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إن الله حرَّم بيع الخمر …”. وأما المال المختلط فهو أن يكون لصاحب العمل مصدرٌ حرام كبيع الخمر مثلًا ومصدرٌ آخرُ حلال كبيع أشربةٍ أخرى مثل العصائر، فاختلط ماله الحرام بالحلال فلا حرجَ في التعامل معه؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتعامل مع اليهود مع أنهم قوم يأكلون الرِّبا ويتعاملون بها، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما: “أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم اشترى طعامًا من يهوديٍّ إلى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا له من حديد”. واشترى سيِّدنا عثمانُ -رضي الله عنه- بئر رُومة من يهوديٍّ وتصدَّق بها على المسلمين، ولكن اتفق الفقهاء على كراهة إجابة مَن في ماله حلالٌ وحرام،كأكله منه، ومعاملته، وقبول هديته وهبته ونحوه.
وعليه : فإن كانت شركة الخمور لا مصدرَ لأموالها إلا بيع الخمر فلا شكَّ في حرمة التعامل معها؛ لأن عينَ مالِهم حرام، وأما إن كانت الشركة تعتمد على بيع الخمر وغيرها من المباحات فيجوز التعامل معها. والله تعالى أعلم.