هل يمكن للمرأة التي تمَّ اغتصابها أن تقوم بعملية الإجهاض، إذا حصل حمل، أم أن ذلك غير جائز؟ وهل الإجهاض حلال -عموماً- في الإسلام؟ إذا كانت الإجابة بنعم، ففي خلال أيِّ أسبوع من الحمل يجوز ذلك؟

فتوى رقم 4408 السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالبة مسلمة في الجامعة اللبنانية الأميركية عليَّ أن أقدِّم بحثاً أُقنع من خلاله الجمهور بأن عملية الإجهاض، يجب أن تظلَّ في لبنان غير قانونية، ولكن لدي بعض الأسئلة، حتى أتأكد أنني لا أقول أيَّ أمور تخالف ديني مثلاً، هل يمكن للمرأة التي تمَّ اغتصابها أن تقوم بعملية الإجهاض، إذا حصل حمل، أم أن ذلك غير جائز؟ وهل الإجهاض حلال ـــ عموماً ـــ في الإسلام؟ إذا كانت الإجابة بنعم، ففي خلال أيِّ أسبوع من الحمل يجوز ذلك؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بدايةً، فقد أجمع العلماء على حرمة إسقاط الجنين الذي بلغ عمره مئة وعشرون يوماً مطلقاً ـــ أي سواء كان هذا الحمل بطريقة شرعية أم غير شرعية ـــ وهو زمن بدء نفخ الروح فيه؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدَّثنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الصَّادق المصدوق – قال: «إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمِّه أربعين يوما نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الـمَلَكُ فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد…» [الحديث رواه البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما]،

ولأن هذا الفعل يُعتبر قتلاً لنفس محترمة، قال الله تعالى: (وإذا تولَّى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) [سورة البقرة الآية:205]. واستثنى أهل العلم من ذلك، ما إذا تُيُقِّنَ أن بقاء الجنين يسبِّب وفاة الأم، أو أنَّ الجنين مات في بطنها؛ ثم إن العلماء اختلفوا في جواز الإجهاض قبل نفخ الروح، فذهب جماعة من الحنفية، وهو المفتى به عند الشافعية والحنابلة إلى جوازه. قال ابن الهُمام الحنفيُّ -رحمه الله- في “فتح القدير” (3/401): “وهل يُباح الإسقاطُ بعد الحَبَل؟ يُباح ما لم يتخلَّق شيء منه، ثم في غير موضعٍ قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يومًا، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط؛ لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة” انتهى.

وقال الرمليُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في “نهاية المحتاج” (8/443): “الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقًا، وجوازُه قبله”. اهـ . وقال الفقيه القليوبيُّ الشافعيُّ في “حاشيته على شرح المــَحَلِّيِّ على المنهاج” (4/160): “نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه، خلافًا للغزالي”. اهـ .وقال الفقيه المرداويُّ الحنبليُّ -رحمه الله- في كتابه “الإنصاف”(1/386): “يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في الوجيز، وقدَّمه في “الفروع”. وقال ابن الجوزيِّ في أحكام النساء: يَحرم. وقال في الفروع: وظاهر كلام ابن عقيل الحنبليُّ في “الفنون”: إنه يجوز إسقاطه قبل أن يُنفخ فيه الروح، وقال: وله وجه”. انتهى.

وليُعلم أن الإسقاط قبل نفخ الروح على قول مَن يُجيزه اشترطوا فيه رضى الزوج، وأما في حالة الاغتصاب أو الحمل غير الشرعي ــ الزنى ـــ فلا يُشترط رضى الزاني. وجاء في الموسوعة الفقهية (2/57و58و59): “في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة، حتى في المذهب الواحد، فمنهم من قال بالإباحة مطلقاً، وهو ما ذكره بعض الحنفية، فقد ذكروا أنه يُباح الإسقاط بعد الحمل، ما لم يتخلَّق شيء منه. والمراد بالتخلُّق في عبارتهم تلك نفخُ الروح، وهو ما انفرد به من المالكية اللَّخمي فيما قبل الأربعين يوماً، وقال به أبو إسحاق المروذي من الشافعية قبل الأربعين أيضاً، وقال الرمليُّ: لو كانت النطفة من زنا فقد يُتخيَّل الجوازُ قبل نفخ الروح. والإباحة قول عند الحنابلة في أول مراحل الحمل؛ إذ أجازوا للمرأة شربَ الدواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة، وعن ابن عقيل أن ما لم تَحِلَّه الروحُ لا يُبعث، فيؤخذ منه أنه لا يَحرم إسقاطه. وقال صاحب الفروع: ولكلام ابن عقيل وجه. ومنهم مَن قال بالإباحة لعذر فقط، وهو حقيقة مذهب الحنفية. فقد نقل ابن عابدين عن كراهة الخانية عدمَ الحِلِّ لغير عذر، إذ الـمُحْرِم لو كسر بيض الصيد ضمن لأنه أصل الصيد، فلما كان يؤاخذ بالجزء فلا أَقَلَّ من أن يلحقها – من أجهضت نفسها – إثم هنا إذا أسقطت بغير عذر، ونقل عن ابن وهبان أنَّ من الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظِّئر (المرضع) ويخاف هلاكه، وقال ابن وهبان: إن إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضرورة. ومَن قال من المالكية والشافعية والحنابلة بالإباحة دون تقييد بالعذر فإنه يُبيحه هنا بالأَولى،

وقد نقل الخطيب الشربينيُّ عن الزركشيِّ: أن المرأة لو دعَتْها ضرورةٌ لشرب دواء مُباح يترتب عليه الإجهاض فينبغي، وأنها لا تضمن بسببه. ومنهم من قال بالكراهة مطلقاً. وهو ما قال به علي بن موسى من فقهاء الحنفية. فقد نقل ابن عابدين عنه: أنه يُكره الإلقاء قبل مضيِّ زمن تُنفخ فيه الروح؛ لأن الماء بعدما وقع في الرَّحِم مآلُه الحياة، فيكون له حكم الحياة، كما في بيضة صيد الحرم. وهو رأي عند المالكية فيما قبل الأربعين يوماً، وقول محتمل عند الشافعية. يقول الرمليُّ: لا يُقال في الإجهاض قبل نفخ الروح إنه خلاف الأَولى، بل محتمل للتنزيه والتحريم، ويقوى التحريم فيما قَرُبَ من زمن النفخ لأنه جريمة. ومنهم مَن قال بالتحريم، وهو المعتمد عند المالكية. يقول الدردير: لا يجوز إخراج المنيِّ المتكوِّن في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً، وعلَّق الدُّسوقي على ذلك بقوله : هذا هو المعتمد،  وقيل: يكره. مما يفيد أن المقصود بعدم الجواز في عبارة الدردير التحريم. كما نقل ابن رشد أن مالكاً قال: كلُّ ما طرحَتْه المرأة جناية، من مُضغة أو عَلَقة، مما يُعلم أنه ولد، ففيه الغُرَّة ــــ وهي نصف عُشر الدِّية، ومقدارها خمس من الإبل ـــ وقال: واستحسن مالك الكفارة مع الغرَّة. والقول بالتحريم هو الأوجه عند الشافعية؛ لأن النطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التخلُّق مهيَّأة لنفخ الروح، وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزي، وهو ظاهر كلام ابن عقيل، وما يُشعر به كلام ابن قدامةَ وغيره بعد مرحلة النطفة؛ إذ رتَّبوا الكفارةَ والغرَّة على مَن ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً، وعلى الحامل إذا شربت دواء فألقت جنيناً”. انتهى. 

وعليه: فخلاصة ما مرَّ أنه يَحرم بالإجماع الإسقاط مطلقاً ـــ أي سواء كان هذا الحمل بطريقة شرعية أم غير شرعية – بعد نفخ الروح إلا إذا تُيُقِّنَ أن بقاء الجنين يتسبَّب في وفاة الأم، أو تُيُقِّنَ أنَّ الجنين مات في بطنها. وأما قبل نفخ الروح فمختلَف فيه: فأجازه الشافعية والحنابلة برضى الزوج وبعض الحنفية، ومنعه المالكية، وهو المفتى به عند الحنفية إلا لعذر. والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *