امرأة حملت من طليقها، وطلبت مني مساعدتها في إسقاط الجنين، هل آثم إن ساعدتها؟
فتوى رقم 4368 السؤال: السلام عليكم، فتاة تعرَّفت منذ أيام قليلة على صبيَّة، وذلك ضمن رحلة بنات، وصرنا صديقتين على جروب واتس آب، ثمَّ اتصلت بي هذه الصديقة لتخبرني أنها كانت متزوجة ثم طُلِّقَتْ، لكنها لم تخبر أحداً بطلاقها، ثم بعد الطلاق صارت ترتاد مع طليقها فندقاً، وأنها الآن حامل منه، وتطلب مني مساعدتها في الحصول على دواء للإسقاط، فأخبرتها بوجوب توبتها أولاً، ومن ثَمَّ أزوِّدها برقم هاتف شخص يوفر لها الدواء، فهل أنا آثمة بفعلي هذا؟ علماً أن نيتي إنما هي مساعدتها، فهل أُحاسَب على ذلك؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بداية، فإننا ننبِّه إلى مسألة مهمة جداً : إذا كانت هذه المعاشرة بعد انقضاء عدة الطلاق الرجعي، أو بعد حصول خلع (بائنة بينونة صغرى)، أو بعد طلاق ثالث (البائن بينونة كبرى) كانت تلك العلاقة الحميمة محرَّمة، والمطلوب تحذير تلك الفتاة وتنبيهها، إلى خطورة علاقتها المحرَّمة مع زوجها السابق، ونُصحها وحثِّها على تجديد التوبة، وإذا كان بالإمكان (من الناحية الشرعية) عودتهما من خلال إجراء عقد زواج شرعي بينهما فليكن، وإلا فالواجب ترك تلك العلاقة فوراً، ويَحْرُمُ الاستمرار بها.
وأما بالنسبة لإعانتها على إسقاط الجنين، فحكم الإعانة متوقْف على معرفة حكم الإسقاط (الإجهاض)، ومسألة الإجهاض فيها تفصيل،
أولاً: إذا كان هذا الجنين لم يتجاوز انعقاده مئة وعشرين يوماً، فالمنصوص عليه عند فقهاء الشافعيَّة والحنابلة وجماعة من الحنفيَّة هو جواز إسقاطه. قال الإمام الرَّمليُّ الشافعيُّ -رحمه الله- في “نهاية المحتاج” ( 8/443): “الراجح تحريمُه بعد نفخ الروح مطلقًا، وجوازهُ قبلَه”. اهـ. وقال الفقيه القليوبيُّ الشافعيُّ في “حاشيته على شرح المحَلِّي على المنهاج” (4/160): “نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه، خلافًا للغزالي”. اهـ. وقال الفقيه المرداويُّ الحنبليُّ -رحمه الله- في كتابه “الإنصاف” (1/386): “يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة. ذكره في “الوجيز”، وقدَّمه في “الفروع”، وقال ابن الجوزيِّ ــ رحمه الله ــ في “أحكام النساء”: يَحْرُم. وقال في “الفروع”: وظاهر كلام ابن عقيل الحنبليِّ -رحمه الله- في “الفنون”: “أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح، وقال: وله وجه”. انتهى .
ثانياً : أن يكون الجنين قد بلغ مئة وعشرين يوماً يعني حوالي أربعة أشهر ، يعني نفخت فيه الروح، ففي هذه الحالة أجمع العلماء على حُرمة إسقاطه، إلا إذا تُيُقِّنَ أنَّ الاسقاط يتسبَّب في وفاة الأم. قال الله سبحانه: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…) [سورة المائدة الآية:32].
وقد نقل الإجماعَ على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح الفقيهُ المالكيُّ ابنُ جُزَيّ في كتابه “القوانين الفقهية” ص141، حيث قال: “وإذا قبض الرَّحِمُ المنيَّ لم يَجُزْ التعرُّض له، وأشدُّ من ذلك إذا تخلَّق، وأشدُّ من ذلك إذا نُفخ فيه الروح؛ فإنه قَتْلُ نفسٍ إجماعًا”. وكذلك ما جاء في” نهاية المحتاج” (8/442): “…ويقوى التحريم فيما قَرُبَ من زمن النفخ؛ لأنه جريمة، ثم إنْ تشكَّل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغُرَّة”. انتهى. -والغُرَّة: مقدار نصفِ عُشْرِ دِيَةِ أُمِّه وهي خمس من الإبل ــ.
وعليه: فإن كان حمل هذه المرأة المذكورة قبل نفخ الروح ــ قبل مائة وعشرين يومًا ـــ جاز إسقاطه، وجاز إعانتها على ذلك، وإلا بأنْ بلغ الجنين مئة وعشرين يوماً حَرُمَ بالإجماع، وصار حكمه قتل نفس، وحَرُمَتْ الإعانةُ عليه. والله تعالى أعلم.