ما حكم أن يعزِّيَ الرجالُ النساءَ الأجنبياتِ الكاشفات، مع اختلاطهن وجلوسهن في القاعات الـمُلحَقة بالمساجد؟
فتوى رقم 4143 السؤال: ما حكم أن يعزِّيَ الرجالُ النساءَ الأجنبياتِ الكاشفات، مع اختلاطهن وجلوسهن في القاعات الـمُلحَقة بالمساجد؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
فقد اتفق الفقهاء على أن تعزية المسلم بميته المسلم مستحب. قال الإمام النوويُّ – رحمه الله تعالى- في كتابه :”الأذكار ” ص: 148ــــ 149: “واعلم أن التعزية هي التصبير، وذِكْرُ ما يُسلِّي صاحبَ الميت، ويُخفِّفُ حزنَه، ويُهوِّن مصيبته، وهي مستحبة؛ فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضًا في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ]سورة المائدة الآية: 2[، وهذا أحسنُ ما يُسْتَدَلُّ به في التعزية.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. انتهى.
ونصَّ الفقهاء ــ في كتبهم المعتمدة ـــ على أن التعزية تكون لأهل المصيبة كبارِههم وصغارهم، ذكورهم وإناثهم، إلا الصبيَّ الذي لا يَعقل، والشابَّة من النساء، فلا يُعزِّيها إلا النساءُ ومحارمها، خوفاً من الفتنة.
ونقل العلَّامة ابن عابدينَ الحنفيُّ – رحمه الله تعالى – في حاشيته (1/603) عن شرح الـُمنيَة:” تُسْتَحبُّ التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يَفْتِنّ “.انتهى.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاريُّ ــ رحمه الله تعالى ـــ في كتابه: ” الغُرر البهيَّة في شرح البَهجة الورديَّة”(2/124):” (وَعَزِّ نَدْبًا) أَهْلَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ صِبْيَانًا، وَنِسَاءً قَبْلَ الدَّفْنِ، وَبَعْدَهُ… لَكِنْ لَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا مَحَارِمُهَا، وَزَوْجُهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِمْ كُلُّ مَنْ يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَعَبْدِهَا”. انتهى
وقال الإمام شمس الدين الرمليُّ الشافعيُّ ـــ رحمه الله ــــ في كتابه : “نهاية المحتاج شرح المنهاج “(3/13): “وَلَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَّا مَحَارِمُهَا أَوْ زَوْجُهَا… وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ. أَمَّا تَعْزِيَتُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَحَرَامٌ “. انتهى.
وجاء في كتاب: “مواهب الجليل في شرح مختصر خليل” للحطَّاب الرُّعيني الفقيه المالكي – رحمه الله – (2/230): “قال سَحْنُون: ولا تعزَّى المرأةُ الشابَّة، وتعزَّى المتجالَّة [أي : كبيرة السن]، وتَرْكُه أحسن” انتهى.
وقال الفقيه ابن قُدَامة الحنبليُّ ــ رحمه الله ــــ في كتابه: “المغني” (2/212): “لا يعزِّي الرجلُ الأجنبيُّ شوابَّ النساء مخافةَ الفتنة .”انتهى.
وللأسف، فإنَّ الواقعَ الذي يحصل ـــ كما في السؤال ـــ هو اجتماع النساء والرجال للتعزية في القاعات الـمُلحَقة بالمساجد فيحصل الاختلاط،
وقد حذَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من خطر الاختلاط بين الرجال والنساء الأجنبيات من دون ضوابطَ؛ لما يترتبُّ عليه من مفاسدَ خطيرة، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرِّجال من النِّساء”. [متفق عليه]،
وغالباً ما تكون النساء كاشفاتٍ عن عوراتهن ويجلسن على هيئةٍ تتنافى مع آداب العزاء، وغالباً لا يكون غضٌّ للبصر، والله تعالى يقول: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ…) ]سورة النور الآيتان: 30-31[.
وأيضاً ربما تكون القاعة الـمُلحقة بالمسجد لها حكم المسجد، فلها ما للمسجد من الحرمة.
وعليه: فالسكوت على هذا الـمُنكَر مع القدرة على الإنكار ومنعِه حرام، لذا فقد وجب على أهل العلم وأصحاب الشأن ـــ ممن لهم القدرة على منع هذه المنكرات ــ منعُها مع تبيان حكمها للناس. والله تعالى أعلم .