سمعت تسجيلًا لشيخ على يوتيوب يتحدث فيه عن الجن، وأن علينا قبل النوم في السرير أن ننفضَه ثلاث مرات حتى لا نتأذَّى من الجن
الفتوى رقم 4016 السؤال: السلام عليكم، سمعت تسجيلًا لشيخ على يوتيوب يتحدث فيه عن الجن، وأن علينا قبل النوم في السرير أن ننفضَه ثلاث مرات حتى لا نتأذَّى من الجن، واستشهد بحديث عن النبيّ صلَّى الله عليه وسلّم في هذا الموضوع هو: “إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خَلَفَه عليه، وليقُل: باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”، فهل استدلال الشيخ بهذا الحديث وبحديث قتل الصحابيّ للحيّة في بيته صواب؟
الجواب ، وبالله تعالى التوفيق:
الحديث الذي ذكر في التسجيل صحيح، لكن شرحه فيه مغالطات منها موضوع الجنّ، وكذلك ربطه بقصة الصحابي الذي قتل الحية أيضاً غير صحيح ولا علاقة للفراش في الحديث الثاني. ففي الصَّحِيحَيْنِ -البخاري ومسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”. والمعنى كما قال شُرَّاح الحديث: “فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ” أي: لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه؛ من تراب أو قَذاة أو هوامّ. ولم يقل أحد أن المقصود الجنُّ ينام على فراشه.
وأما حديث الحيَّة الذي رواه مسلم في صحيحه، عن أَبي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلاَتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ، فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ – قَالَ – فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: خُذْ عَلَيْكَ سِلاَحَكَ؛ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ. فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاَحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً، فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِى أَخْرَجَنِي. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ، مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ. فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى؟ قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا. فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ“.
وقد قال الإمام النوويّ -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم عند قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَأْذَنُوهُ ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْد ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان”: “قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ: وَإِذَا لَمْ يَذْهَب بِالْإِنْذَارِ، عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِر الْبُيُوت، -أي: للحيّات التي تسكن البيوت، ويطول عمرها فيها- وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ الْجِنّ، بَلْ هُوَ شَيْطَان، فَلَا حُرْمَة عَلَيْكُمْ فَاقْتُلُوهُ، وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لَهُ سَبِيلًا لِلِانْتِصَارِ عَلَيْكُمْ بِثَأْرِهِ، بِخِلَافِ الْعَوَامِر، وَمَنْ أَسْلَمَ”. انتهى.
وعليه: فما قيل في التسجيل من شرح للحديث غير صحيح، والمعنى كما قال أهل العلم: أنه يستحب أن ينفضَ فراشه قبل أن ينام عليه؛ لئلا يكون فيه حيَّةٌ أو عقرب، أو غيرهما من المؤذيات؛ لأن البيوت إذ ذاك كانت مظلمة ولم يكن فيها المصابيح، فأمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنفض الفراش قبلَ النوم عليه؛ حتى لا يُؤذيه ما دخلَه من المؤذيات، وينبغي أن ينفض ويدُه مستورةٌ بطرَف إزاره؛ لئلا يحصُل في يده مكروه. والله تعالى أعلم.