التصويت لمرشح غير مسلم لكنه يخدم الناس
الفتوى رقم 3982السؤال: السلام عليكم، مرشَّح غير مسلم، وهو تابع للسلطة، خدم شخصًا وسهّل معاملته في الوظيفة، والمخدوم لم يعرف أن الذي خدمه غير مسلم، ثم طلب منه المرشَّح الصوتَ التفضيليَّ ووعده بانتخابه، علمًا أن هذه الخدمة منذ عدة أشهر، فما حكم ذلك؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
بدايةً، فإن انتخابك لأيّ مرشح ودعمك له، هو اعتراف صريح، واختيار منك لمن تولِّيه شؤون البلد على المستويَيْن السياسي، والتشريعي للقوانين -في المجالات كافة- وغير ذلك، مما هو من مهام النواب في مجلسهم، فبما أنه اعتراف بمنهج هذا المرشَّح وفكره وسلوكه وأهدافه، فأنت مُلزَم من الناحية الشرعية أن تختارَ صاحب المنهج والفكر السليم والسلوك السويِّ والهدف الذي يوافق الشرع؛ فالمطلوب أن ننظر إلى حال المرشَّح ومشروعه (هل هو يدعو إلى خير، أم إلى شر؟)، وهل هو ممن يؤتمن على البلد أم لا؟ فالتصويت له هو إعانة له ليحقِّق مشروعَه، فإن كان مشروع خير، فإعانة على الخير فلا مانع منه، بل لك الأجر والثواب في ذلك. وأما إن كان مشروع شرٍّ كالعلمانية، أو نفعية قائمة على الفساد والسرقات ودعم الفاسدين والمجرمين ، فإعانة على الشرِّ والإثم، فلا شكَّ في حرمته، ويُعَدُّ ذلك كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة المائدة الآية:2].
وقال الله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) ]سورة هود الآية: 113[.وأخرج الحاكم في مُستدرَكه، وقال: صحيح الإسناد، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ”. وروى أبو داودَ في سننه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إذا عُمِلَتْ الخطيئةُ في الأرض، فمَن شهدها فكرهها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كان كمن شهدها”. وروى مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إنه يُستعمل عليكم أمراءُ فتَعرِفون وتُنكِرون، فمَن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سَلِم، ولكنْ مَن رضي وتابَع”.فانتخاب أيِّ مرشَّحٍ مسؤوليةٌ كبيرة وخطيرة، ستُسأل عنها يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [سورة الصافَّات الآية:24].
فمَن اخترتَه ليمثِّلَك فهو في صحيفتك يوم القيامة؛ فإنْ عمل خيرًا فخير لك، وإنْ عمل شرًّا فلا تلومنَّ إلا نفسَك.
وأما مسألة أخذ المال من المرشَّح، فمرتبطة بأمرين:
ـــ أولهما: إن كان المال مقابلَ أن تعطيَ صوتك الانتخابي للمرشَّح، فهذا يُعَدُّ من الرشوة التي نهى عنها النبيُّ ﷺ، فقد ثبت بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: “لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي“ رواه الترمذيُّ وأبو داود.
– والثاني: إن لم يكن المال مقابل انتخاب فلان -يعني ليس المال هو المحفِّز للانتخاب-، وإنما المال جاء عَرَضاً مع توافر موصفات الأمانة والكفاءة والصلاح والقوة التي تؤهِّله لهذا المنصب، فلا حرج فيه.
واعلم أن الرزَّاق هو الله تعالى، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) [سورة الذاريات الآية: 58]، وقال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [سورة الطلاق الآية: 3]؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أن العبد إذا اتقاه، بترك أخذ ما لا يَحِلُّ له، رزقه الله من حيث لا يحتسب، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمدُ في مسنده، أن النبيَّ ﷺ قال: “إنّك لن تَدَعَ شيئًا لله عزَّ وجلَّ إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه“.
وعليه: فالواجب انتخاب صاحب المشروع الإسلامي، أو المشروع الذي لا يُلْحِق ضررًا بالبلد وأهله، مثال الضرر: سَنُّ قوانين تُشرِّع المثلية الجنسية، أو الزواج المدني، أو إقرار قوانينَ تكرِّس مصادرة أموال الـمُودِعين وتمنع إعادة الأموال المنهوبة.. وغيرها. والله تعالى أعلم.