أخذ مال بدل الانتخاب لإجراء عملية جراحية لوالدي

الفتوى رقم 3980السؤال: السلام عليكم، والدي لديه عملية جراحية مهمة وضرورية لظهره، فهو لا يستطيع الحركة، والوضع المادّيُّ صعب للغاية، فهل يجوز لنا أخذ المال بدل انتخاب أحد المرشَّحين للانتخابات كي نستطيع إجراء العملية؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بداية، نسأل الله الشفاء العاجل لوالدك وأن يَمُنّ عليه بالصحة والعافية، أخي السائل: معلوم أن انتخابك لأيّ إنسان هو اعتراف، واختيار منك لمن تولِّيه شؤون البلد على المستوى السياسي، وتشريع القوانين وغيرها مما هو عمل النواب في المجلس النيابي، فهذه مسؤولية ستُسأل عنها يوم القيامة، فمن اخترته ليمثّلك فهو في صحيفتك يوم القيامة؛ فإنْ عمل خيرًا فخير لك، وإنْ عمل شرًّا فلا تلومنَّ إلا نفسَك،  والأصل أن حصولك على مال مقابل أن تعطيَ صوتك الانتخابي (مقابل انتخاب فلان) يُعَدُّ من الرشوة التي نهى عنها النبيُّ ﷺ، فقد ثبت بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: “لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي” رواه الترمذيُّ وأبو داود.

وعقيدتنا أن الرزَّاق هو الله تعالى، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) [سورة الذاريات الآية: 58]، وقال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [سورة الطلاق الآية: 3]؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أن العبد إذا اتقاه، بترك أَخْذِ ما لا يَحِلُّ له، رزقه الله من حيث لا يحتسب، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمدُ في مسنده أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “إنّك لن تَدَعَ شيئًا لله عزَّ وجلَّ إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه”.

هذا الذي ذكرناه هو الأصل، ويستثنى من ذلك حالة الضرورة -وهي هنا ما أدّى تركُها إلى حصول وفاة أو إتلاف عضو أو ذهاب منفعته كما هو المنصوص عليه في كتب أهل العلم- فالله تعالى أباح للمُضطَّر أن يأكل من الميتة المحرَّمة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة البقرة الآية: 173]. وقد استنبط أهل العلم قاعدة فقهية وهي: (الضرورات تبيح المحظورات)،وهذه الضرورة مقيّدة بضوابط، وهي:

1 ــــ أن لا يكون ثمة جهة يُشرَع أخذ المساعدة المالية منها، مثل: صندوق الزكاة، الجمعيات الخيرية، أغنياء المسلمين أو غيرهم، مؤسسات دولية تُعنى بالمساعدات الطبية، صندوق الضمان في حالة كون المريض مضمونًا، أو التأمين الصحي، ونحو ذلك.

 2 ـــ وأن يكون المرض مَخُوفًا يُخشى منه الهلاك أو تلف عضو أو ذهاب منفعته.

 3 ـــ أن يحقِّق ذلك المال الانتخابي -من المرشح مقابل انتخابه- دفع الضرروة عن والدك.

وننبِّه على أن تلك الضرورة تُقدر بِقَدْرِها، فلا تتجاوز والدك وربما أنت فقط، فلا يحلّ لك أن تصير أنت مروِّجاً لذلك المرشَّح الذي يشتري أصوات الناخبين مقابل أن يَدْفع لك مالاً انتخابياً.

وعليه: فيجب على السائل بذل الوُسْع والجهد في التواصل مع مَن ذكرنا، فإنْ عجز عن تحقيق ما يرفع عن والده الهلاك والضرر المحتَّم، وتحققت الشروط التي ذكرناها -والتي منها تحقُّق زوال الضرورة بتلك المساعدة المالية- فلا مانع حينئذ من أخذ هذا المال.

وننبِّه أغنياء المسلمين،الذين تقاعسوا عن مساعدة هذا الرجل، مع قدرتهم على المساعدة لدفع هذه الضرورة، بأنهم يقعون في الإثم بسبب دفعه إلى ارتكاب المحظور -قَبول المال الانتخابي- الذي أبيح له للضرورة.والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *