يعمد كثير من التجار إلى تخزين البضائع التي يحتاجها الناس حتى يزدادَ الطلب عليها فيرفعون سعرها، فما الحكم الشرعيُّ في ذلك؟

الفتوى رقم 3596 السؤال: السلام عليكم، في ظلِّ الأزمة الاقتصادية التي يمرُّ بها لبنان وارتفاع سعر الدولار، يعمد كثير من التجار إلى تخزين البضائع التي يحتاجها الناس حتى يزدادَ الطلب عليها فيرفعون سعرها لتحقيق أكبر قَدْر من الربح، فما الحكم الشرعيُّ في ذلك؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

اعلم -أخي السائل- أن الاحتكار شرعاً: هو اشتراء القوت وحبسُه انتظاراً للغلاء “المغني” لابن قدامة الحنبلي (4/244)، وعرَّفه آخرون بأنه: رصد الأسواق انتظاراً لارتفاع الأسعار. “الشرح الصغير” للفقيه الدردير المالكي (1/639)، كما عرّفه آخرون بأنه: اشتراء القوت وقت الغلاء وإمساكه وبيعه بأكثر من ثمنه للتضييق “نهاية المحتاج” للفقيه الرمليِّ الشافعي (3/456).

ومن خلال هذه التعريفات يظهر لنا اختلاف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار، فمنهم مَن يقول هو في القوت خاصَّة، ومنهم مَن يرى أنه يجري في كلِّ ما يحتاجه الناس ويتضرَّرون بحبسه، وهذا مذهب المالكية وروايةٌ عن الإمام أحمد.

ولا شكَّ بأن الطعام -الموادَّ الغذائية- من أهم ما يحتاجه الناس ويُلحق بذلك وقود السيارات والمنازل، وغيرها مما هو من أساسيات العيش في هذا العصر. وقد نصَّ أهل العلم على حرمة الاحتكار، ودلَّ على تحريمه ما رواه مسلم في صحيحه، عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “لا يحتكر إلا خاطئ”.

يقول الإمام النوويُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في شرحه على صحيح مسلم: “قال أهل اللغة: الخاطئ هو العاصي الآثم، وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار”. انتهى.

وروى الإمام أحمدُ في مسنده وغيره، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: “من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه، وأيُّما أهل عَرْصة -أرض أو بلدة- أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمَّة الله”. وروى الحاكم في “مستدركه” أن النبيَّ ﷺ قال: “الـمُحتكِر ملعون”.

وقد نصَّ الفقيه ابن حجر الهيتميُّ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر” على أن الاحتكار من كبائر الذنوب؛ وذلك بناءً على هذا الوعيد الوارد في هذين الحديثين وما شابههما. والحكمة من تحريم الاحتكار هي الحيلولة دون إلحاق الضرر بالناس في حاجاتهم الأساسية.

ونذكِّر التجار: بأن يتَّقوا الله تعالى في بيعهم وشرائهم، فعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ”. أخرجه الترمذيُّ والدارميُّ وابن ماجه.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *