تهويدٌ أم صهينة؟!
ملهاةٌ أعاقت تحريرًا، استمرَّت سبعين عامًا ونيِّفًا لاكَتْها ألسِنةُ سياسيّي العرب، كما نظَّر لها أربابُ حركات التحرُّر في العالم، حتى إذا تبيَّن أنَّ القومَ ذَوو وجهَين؛ باطنٌ دينيّ، وظاهرٌ عنصريّ، شرَّع العربُ -كثيرٌ منهم- أبوابَ بلادهم ليَلِجها من شاء من يهودَ تصهيَنوا، أم لم يتصهيَنوا!
صورتان متضادَّتان: مظلومٌ سُلِب حقُّه، فغُصِبَتْ أرضُه وهُدِّمَتْ ديارُه وقُتِّل أهلُه عُزَّلًا آمنين، فانساح في الأرض شتاتًا، وآخَرُ أتى من شتاتٍ فسلَب حقًّا، وغصب أرضًا، وهدَّم ديارًا وقتل عُزَّلًا آمنين.
الإنصاف يقضي بانتزاع الحقِّ ورفع الظلم مطلقًا؛ فما همّي إن كان سالبُ حقّي متديِّنًا- بدينه ـ كذّابًا أشرًا، أم كان عنصريًّا عِرقيًّا مستعليًا؟!
هذا الإنصاف تأخَّر العربُ عن فعله سبعة عقود فقط! ثمّ جاؤوا بعدها يُهرَعون عند أعتاب الظَّلَمة؛ يُقرِّونهم على شنيع فعلتهم، ويرجون لهم أن يعمِّموا إفسادهم ليَعُمَّ أرضًا لم يطؤوها، ولينعموا -تطبيعًا- بثروات أهلها؛ يغدون ويروحون في ظلِّ احتلال هيِّنٍ ليِّنٍ، مُفَتّحةً لهم الأبواب!
إنَّه “سلام الشجعان” بدأ في كامب ديفيد، ولم ينتهِ بالسلام الإبراهيمي؛ دولٌ ودويلاتٌ تملَّكت الشجاعةُ كيانَهم حتى إنهم فرُّوا من الزحف دهرًا، ثمّ كرُّوا مهرولين إلى عدوِّهم بَدْءًا بمؤتمرات قمّة تَتالتْ باسم “القضية المركزية الأُولى”، ثمّ باتت قرارات القِمم في الأدراج متعفِّنة! حتى إذا فاضت بهم الشجاعة –مؤخَّرًا- مدُّوا الأيادي مبايعين الظالـمَ على ظلمه، لا فرقَ عندهم أكان يهوديًا أم صهيونيًا، ونزعوا يدًا من مظلومٍ مسلم ساعٍ إلى استرجاع حقّه.نحن نتنادى في أسبوع قُدسنا، والقدس تنادي “أنا روحُ العمُر كلِّه”؛ أَطابَتْ أنفسُكم -أبنائي- بخيانتي؟! أم طِبتُم نفسًا بتهويدي؟! أَفَتَدَعون نفرًا من يهودَ يُنصفونني، ويُبرِّئون ذِمَمَهُم من دولتهم الغاصبة، ثمَّ تدَعون أنتم فكَّ أسري؟! وتعانقون عدوّي؟! وتنفضون يدًا من أوليائي؟!
خيانةٌ بمسمَّى “تطبيع”، وتطبيع لا علاقة له بصُلحٍ، وتنازل بمسمَّى التعايش، ونَهْبٌ لثروات الأمة بمسمَّى “صفقة قرن”، وطامَّة ذلك كلِّه: رِدَّة بمسمَّى “الديانة الإبراهيمية الجديدة الواحدة”.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة المائدة الآية: 54].