كلُّ الأطبَّاء تنصح بكثرة شرب الماء وتتحدث عن أضرار عدم تناول الماء لعدة ساعات، فلماذا حرَّم الإسلامُ شربَ الماء أثناء الصيام؟
الفتوى رقم 3419 السؤال: السلام عليكم، أنا أعيش في روسيا وساعات الصيام هنا طويلة ولديَّ أصدقاء (روس نصارى) قاموا بطرح سؤال لم أستطع الإجابة عليه، وكما تعلمون أن لا ترُدَّ يعني أنه نجح في إلزامك الحُجَّة، فلذا أطلب منكم جواباً يستطيع إقناعهم. السؤال: كلُّ الأطبَّاء تنصح بكثرة شرب الماء وتتحدث عن أضرار عدم تناول الماء لعدة ساعات، فلماذا حرَّم الإسلامُ شربَ الماء أثناء الصيام؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
أخي السائل: نشكر لك حرصك على السعي للدفاع عن الإسلام، من خلال حوارك مع غير المسلمين، والبحث عن الأجوبة للردِّ عن الأسئلة التشكيكية التي يطرحها هؤلاء. ونشير إلى نقطتين أساسيتين:
أولاهما: المنهجية العلمية للنقاش والحوار لكلّ ما يطرحه الإنسان من مسائل، خاصة فيما يتعلق بالمسائل والقضايا الدينية التي منها الإسلامية وكل العلوم التجريبية ومنها المسائل الطبية؛ فالمنهجية العلمية تقول: إن كنت ناقلاً فالصحة أو مدَّعِياً فالدليل، المأخوذة من قول الله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة البقرة الآية: 111]. فالكلام عن أضرار الصوم على الإنسان السليم -الخالي من الأمراض التي تضرّ بالصائم- يحتاج إلى إثبات علميٍّ وتوثيق للجهة التي ادّعت ذلك؛ فقولهم: “كلُّ الأطباء تنصح بكثرة شرب الماء وتتحدَّث عن أضرار عدم تناول الماء لعدة ساعات” يفتقد إلى المنهجية العلمية، ويُعتبر هذا الكلام لا قيمة له من الناحية العلمية لافتقاره إلى المصداقية، وهذا الكلام المنقول معروف، وهو من منشورات المواقع الخاصة بالملحدين وغيرهم ممن يهاجمون الإسلام ويشكِّكون حتى بالمسلَّمات العقلية، لكن الحقيقة عكس ذلك، فإن كثيراً من الدراسات الطبّية تقول إن للصوم فوائد صحية، ومن هذه الدراسات: دراسة حديثة أجراها فريقٌ من الباحثين بكلية (بايلور) للطب بالولايات المتحدة الأمريكية لفهم تأثير “صوم المسلمين” على صحة الإنسان، هذه الدراسة نشرتها دورية “جورنال أوف بروتيومكس ” Journal of Proteomics. ومنها: ما قامت به قناة الجزيرة القطرية من مقابلات أجرتها مع متخصِّصين في الطب في برنامجها “عيادة الجزيرة”، وبيَّنوا فوائد الصوم الصحية. ومنها: موقع روسيا اليوم الذي أجرى مقابلة في 24/10/2020 مع أندرو وانغ، الحاصل على الدكتوراه في الطب، وأستاذ في علم الأحياء المناعي في كلية الطب بجامعة ييل الأمريكية والتي تعتبر إحدى أعظم جامعات العالم، حيث بيَّن فوائد الصيام.
ثانياً: المنهجية المنطقية العقلية التي يُقِرُّ بها كلَّ عقلاء العالم: أن النتائج مبنيَّة على مقدِّمات مُسَلَّمة عند طرفَيْ الحوار أو النقاش، فأنْ نناقش النتيجة التي هي الصوم، المبنيَّة في الأصل على مقدِّمات لا يُقرُّ بها الطرف الآخر الذي نناقشه، فهذا ضرب من الجهل القائم على الحكم المسبق قبل البحث عن الدليل والبرهان العلمي. فالصوم بالنسبة للإسلام مسألة فرعية مبنية على عقيدة والتي تُعتبر مقدِّمات في المفهوم العقلي المنطقي، فلا يمكننا إقناعهم بأن الصوم ركن من أركان الإسلام، وأنه تكليف ربانيّ، وأن هذا التكليف مُثْبَتٌ في القرآن الكريم الذي هو كتاب الله تعالى الـمُنزَل على رسوله محمّد ﷺ، وأن التكليف الذي هو خطاب الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلَّفين، لا يكون إلا وَفْقَ القدرة البدنية التي خلقها الله في الإنسان، وأن التكاليف الشرعية ومنها الصوم، لا يشكِّل ضرراً على الإنسان المكلَّف، (حالة كونه سليماً من الأمراض التي تضر بالصائم أو ما يُعبَّر عنه بخلوّه من الموانع)، والنصُّ القرآني واضح في تبيان هذه المسألة، حيث قال الله تعالى: (لَاْ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا مَاْ آتَاْهَا) [سورة الطلاق الآية: 7]. وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [سورة البقرة الآية: 286]. وأجمع علماء الشريعة على قاعدة فقهية وهي: المشقَّة تجلب التيسير -أي التخفيف- المأخوذة من قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [سورة البقرة الآية: 185]. وغيرها كثير.
بناء على ما تقدّم: فالصوم -قبل كلِّ شيء- هو عبادة، أي: خضوع وانقياد، أُمِر به المكلَّف، ولا علاقة مباشرة في الشعور مع الفقراء والجائعين حول العالم أو التدرُّب على الصبر أو لحرق الدهون ونحوه، فكلُّ ذلك ونحوه لا علاقة له مباشرة بتشريع الصوم، كما هي الصلاة والزكاة والحج، وقد يعتبرها البعض حِكَماً من حِكَمِ الصوم، وفرق كبير بين الحِكمة وبين عِلَّة الحكم: أي: سبب فرض الصوم.
وأخيراً نحثُّك على الإكثار من البحث والمعرفة عن دين الإسلام العظيم من مصادره المعرفية الصحيحة وَفق القاعدة العلمية الذهبية: إن كنت ناقلاً فالصحة أو مدَّعياً فالدليل.
والله تعالى أعلم.