هل يوجد في أيامنا إماء وعبيد كما في الزمن السابق؟ وما معنى الآية؟
الفتوى رقم 3306 السؤال: السلام عليكم، هل يوجد في أيامنا إماء وعبيد كما في الزمن السابق؟ وما معنى الآية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون.إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
باختصار لا يوجد في عصرنا هذا رقيق -إماء أو عبيد- بالمفهوم الشرعي الإسلامي -الذي هو ناتج عن حروب الكفَّار للمسلمين، فيتمُّ أسْرُ الكفَّار المحارِبين، ويقرِّر الحاكم المسلم إن كان للمسلمين مصلحة في استرقاقهم أم لا- وإن كان بمفهوم منظمات حقوق الإنسان الرقّ موجود اليوم؛ كالاتجار بالبشر، والعمل القسري أو بالسُّخرة ونحوه… وهذا في ديننا من المحرَّمات.
فالأمم والشعوب والأنظمة القائمة اليوم -المسلمة وغير المسلمة- قد اتفقت على عدم الاسترقاق بل على إلغائه، وهذا لا يتعارض مع الشرع الحنيف، بل الشرع يتشوَّف للتخلُّص من الرقيق، ولا مصلحة للمسلمين اليوم في الاسترقاق. ونشير إلى أن الرِّقَّ الشرعيَّ هو في حقيقته إعادة تأهيل لهذا الإنسان الذي أُفسدت فطرتُه فحارب المسلمين، وهذه الحقيقة جعلت “جوستاف لوبون” يقول في كتابه “حضارة العرب” (459-460): “الذي أراه صادقاً هو أن الرِّقَّ عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقَّاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقَّاء في الشرق يكونون جزءاً من الأسرة… وأن الموالي الذين يرغبون في التحرُّر ينالونه بإبداء رغبتهم.. ومع هذا لا يلجؤون إلى استعمال هذا الحقّ”. انتهى. وكلام جوستاف جاء في معرِض ذكر عظمة المسلمين ورحمتهم بالإنسان بخلاف الاسترقاق لدى الكفَّار.
وقد جاءت توجيهات الشريعة الإسلامية بالرحمة والإحسان والعدل في التعامل مع الرقيق منها: حديث البخاريِّ في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قال رسول الله ﷺ: “هُمْ إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ”. ومنها أيضًا حديث البخاريِّ في صحيحه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: “مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَة، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ”. ومنها حديث مسلم في صحيحه أن ابن عمرَ رضي الله عنهما أعتق مملوكاً له، ثم أخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما لي فيه من الأجر ما يَسْوَى هذا! سمعت رسول الله ﷺ يقول: “مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ”. ونصوص كثيرة.
وننبّه إلى أن الآية التي وردت في السؤال وهي قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون.إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [سورة المؤمنون الآيتان: 5- 6]. تشير إلى أن الأَمَةَ التي يملكها المسلم حلال له، ليس في كلِّ الأحوال؛ فالمقصود التي ليس لها زوج، وليست حاملاً، وينبني على معاشرتها أحكام شبيهة بأحكام الزوجة، فهي تحرم على آباء سيِّدها –مالكها- الذي وطئها وعلى أبنائه إلى الأبد كما تحرم زوجة الأب والابن، وإذا ولدت كان ولدها حرًّا، ولا يجوز لسيدها أن يبيعها بعد ذلك، وتُعتَبَر حرّةً بمجرّد موت سيِّدها، ويحرم على غير سيّدها أن يطأها؛ لأنها ليست ملكاً لغيره، وإذا لم يطأها سيّدها، أو وطئها ولم تحمل، ثم أراد بيعها جاز له ذلك، لكن ليس لمن اشتراها أن يطأها ما لم يستبرئْها بحيضة، وتختلف في أحكامها عن الزوجة بأن عدد الرقيقات اللواتي يجوز للرجل أن يملكهنَّ غير محصور بأربع أو أكثر، ولا يجب التسوية بينهنَّ في المبيت، لكن يجب على السيد أن يُعِفَّ كلَّ واحدة منهنّ عن الحرام بأن يطأَها أو يزوِّجها أو يبيعها.
وقد بيَّن فقهاء الشريعة أحكام هذه المسائل في كتب الفقه. فهذه المسائل للأسف يظنُّ البعض جهلاً منهم بالشريعة أو طعناً في الإسلام أن المقصود منها هي المتعة الجنسية، وهذا مُجانِب للحقيقة.
والله تعالى أعلم.