هل نصوم بحسب التقويم؟ وما حكم من يقول: إن الفجر الصادق هو بعد الأذان بنصف ساعة؟

الفتوى رقم 3215 السؤال: السلام عليكم، ما تفسير الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ….)؟ وهل نصوم بحسب التقويم؟ وما حكم من يقول: إن الفجر الصادق هو بعد الأذان بنصف ساعة؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

بالنسبة لتفسير قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ….) [سورة البقرة الآية: 187]، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ -رحمه الله تعالى- في كتابه “فتح الباري”: “وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ، وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ؛ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ”. انتهى.

وروى البخاريُّ ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أُنْزِلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. فهؤلاء الصحابة حَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ (مِنْ الْفَجْرِ) عَلِمُوا الْمُرَادَ. ولا خلاف بين أهل العلم أنه يجب أن يتوقف الصائم عن الطعام والشراب عند رفع أذان الفجر الصادق، ودليله حديث ابن عمرَ وعائشةَ رضي الله عنهم، أن رسول الله ﷺ قال: “إِنَّ بِلالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُوم” رواه البخاريُّ ومسلم، وفي الصحيح أحاديثُ بمعناه.

قال ابن كثير -رحمه الله- في “تفسيره” (1 /516): “… يقول ابن عباس رضي الله عنهما: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء -أي الكاذب-: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب. قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء -وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً-: فإنه لا يَحْرُمُ به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حجّ، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حَرُم الشراب للصُيَّام، وفات الحجّ. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله”. انتهى.

وقال العلَّامة ابن قدامة المقدسُّي -رحمه الله- في “المغني” (1/232): “وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى “الفجر الصادق”؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: “أصبح”. فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلَّق به حكم، ويسمَّى “الفجر الكاذب”، ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يُسفِر النهار”. انتهى.

وأما بالنسبة لمواقيت الصلاة في لبنان، خاصَّة وقت الفجر، فالأصل أن المواقيت المعتمدة في لبنان صادرة عن المديرية العامة للأوقاف الإسلامية منذ مدة طويلة جداً، وهي مواقيتُ معتبرةٌ وموثوقة وموثَّقة، والذي يدَّعي ما تقول، عليه بالبيِّنة القائمة على دراسة موثَّقة، ولْيُعلم الأوقافَ بها، أما مجرد الزعم بدون دراسة علمية، بأنه ليس هو وقت الفجر الصادق، فهذا كلام يوصف بالجهل وعدم الدراية.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *