ﻛﻴﻒ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ هذين ﺍﻟﺤﺪﻳﺜَﻴْﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔَﻴْﻦ؟

الفتوى رقم 3211 السؤال: السلام عليكم، ﻛﻴﻒ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜَﻴْﻦ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔَﻴْﻦ: “ﺃﻧﺎﺱ ﻣﻦ ﺃﻣَّﺘﻲ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺄﻋﻤﺎﻝ ﻛﺠﺒﺎﻝ ﺗِﻬﺎﻣﺔ ﻓﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺒﺎﺀ ﻣﻨﺜﻮﺭﺍً، ﻗﻴﻞ: ﻣَﻦ ﻫﻢ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﺧَﻠَﻮْ ﺑﻤﺤﺎﺭﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻧﺘﻬﻜﻮﻫﺎ”، ﻭﺑﻴﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠَّﻢ: “ﻛﻞُّ ﺃﻣﺘﻲ ﻣﻌﺎﻓًﻰ ﺇﻻ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫرين”‏؟

الجواب، وبالله تعالى التوفيق:

الحديث الأول رواه ثوبانُ رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ بلفظ: “لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بَيْضَاءَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ: صِفْهُمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ جَلِّهِمْ لَنَا لِئَلَّا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ: أَمَا إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا” رواه ابن ماجه في سننه.

وأما الحديث الثاني، فقد رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْه” رواه البخاريُّ ومسلم في صحيحَيْهما.

والحقيقة أنه لا تعارضَ بينهما ولا يَحْسُن الجمعُ بينهما؛ إذ إنّ حديث أبي هريرةَ يتكلَّم عن أعيانِ أناسٍ يكشفون سِتْرَ الله عليهم فيما فعلوه سرّاً، وأما حديث ثوبانَ فيتكلم عن أحوال أناس وما وقعوا فيه من النفاق العملي ويحذِّرهم أن يكون حالهم كحال المنافقين الذين يُظهِرون الطاعات ويُخفُون المعاصي بدليل سؤال ثوبانَ حتى لا يكون منهم، قَالَ ثَوْبَانُ: صِفْهُمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ جَلِّهِمْ لَنَا لِئَلَّا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. فالذين وردوا في حديث أبي هريرةَ قد ارتكبوا الكبيرة باعتبار أنهم فضحوا أنفسهم، فالذي يهتك ستر أخيه المؤمن يقع في الكبيرة فكيف بمن يهتك ستر نفسه، وأما الذين وردوا في حديث ثوبانَ فقد ارتكبوا الكبيرة باعتبار انتهاكهم لحرمة الله وارتكابهم المعصية في السرّ وإظهارهم ثوب الطاعة في العلن. انظر كتاب “الزواجر عن اقتراف الكبائر” لابن حجر الهيتميِّ الشافعيِّ -رحمه الله-: الكبيرة الخامسة والخمسون والكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة، كتاب الحدود.

والله تعالى أعلم.

اترك ردًا

رجاء أدخل الأرقام الظاهرة للتأكد من أنك لست روبوت *