ما صحة هذه الأبيات عن أمِّنا عائشة الصدِّيقة رضي الله عنها؟
الفتوى رقم 2922 السؤال: السلام عليكم، روى الأمام أحمد بن حنبل في المسْنَد الموثق المسلسل عن أمِّنا عائشة الصدِّيقة رضي الله عنها أنها قالت -وكلّ قولها حقيقـة-: “أكثرت للنبيّ في الكلام، لا بدّ في الزواج من خصام، وصرت بعدُ كلما دعاني، أعـرضـت حـتى لـم يعد يـراني.. فما صحة هذه الأبيات؟
الجواب، وبالله تعالى التوفيق:
هذا الكلام مُصاغٌ على أساس أن معناه ورد في أحاديثَ عن رسول الله ﷺ مع السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذه الأحاديث منها الصحيح ومنها الباطل، وهذا الكلام ليس في مسند الإمام أحمد وإنما بعضه ورد في رواية الإمام أحمد في مسنده. فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: “جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ ﷺ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ، يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا”.
وأما القسم الأول من الكلام فقد رواه أبو عمر بن حَيُّويَهْ -رحمه الله- في كتابه “الثالث من مشيخة ابن حَيُّويَهْ” (15) فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ نَصْرٍ الْفَرَائِضِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخُشُوعِيُّ، سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَلامٌ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ تَرْضَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟ أَتَرْضَيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَتْ: لا أَرْضَاهُ؛ عُمَرُ غَلِيظٌ، فَقَالَ: أَتَرْضَيْنَ بِأَبِيكِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ، فَقَالَ: وَإِنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا، وَمِنْ أَمْرِهَا كَذَا.قَالَتْ: قُلْتُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا. قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَرَثَمَ بِهِ أَنْفَهَا (أي: لطمه)، وَقَالَ: أَنْتِ لا أُمَّ لَكِ، يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ تَقُولِينَ الْحَقَّ وَأَبُوكِ، وَلَا يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ! قَالَتْ: فَابْتَدَرَتْ مِنْخَرَاهَا كَأَنَّهَا غَزْلا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: الْبَيْتَ.وَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِهَا، فَقَامَتْ هَارِبَةً مِنْهُ، فَلَزِقَتْ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَتْ: حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ، لَمَّا خَرَجْتَ، فَإِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِهَذَا.فَلَمَّا خَرَجَ قَامَتْ فَتَنَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا: ادْنُ مِنِّي.فَأَبَتْ أَنْ تَفْعَلَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ هَذَا شَدِيدَةَ اللُّزُوقِ بِظَهْرِي”. وهذا حديث مُنكرٌ وصرّح البعض بأنه شديد الضعف.
بناء عليه: فليُحْذَر من نشر تلك القصيدة لما تضمنَّته من اختلاطٍ زائفٍ ونسبةِ ما لم يَصِحُّ إلى سيدنا رسول الله ﷺ والسيدة عائشة رضي الله عنها. والعمدةُ في هذا على مرويِّ الإمام أحمد المتقدِّم ذكرُه.
والله تعالى أعلم.